الجنرال غويتا
الجنرال غويتا يعلّق عمل الأحزاب في مالي وسط تصاعد الغضب الشعبي
كتب بواسطة: حسن بكري |

في خطوة مثيرة للجدل ومليئة بالتحديات السياسية، أعلن المجلس العسكري الانتقالي في مالي تعليق عمل جميع الأحزاب السياسية والمنظمات المماثلة في البلاد، مما أثار موجة واسعة من الانتقادات من مختلف القوى السياسية والمدنية.

القرار جاء عبر مرسوم رئاسي وقّعه رئيس المجلس، الجنرال آسيمي غويتا، وتم بثّه عبر التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء، مؤكداً أن التعليق يأتي لأسباب تتعلّق بالنظام العام حتى إشعار آخر، دون تقديم تفاصيل إضافية حول طبيعة هذه الأسباب أو مدى تأثيرها على الحياة السياسية في البلاد.

قرار التعليق لم يكن مفاجئاً تماماً، إذ سبق للحكومة العسكرية أن نظّمت سلسلة من المشاورات الوطنية -قاطعتها العديد من أحزاب المعارضة- وخرجت بتوصيات شملت تعليق عمل الأحزاب السياسية، إضافة إلى تنصيب الجنرال غويتا رئيساً لفترة انتقالية تمتد لخمس سنوات قابلة للتجديد.

هذه الخطوة، التي يصفها البعض بأنها محاولة لتعزيز القبضة العسكرية على السلطة، تأتي في وقت يشهد فيه البلد تحديات أمنية واقتصادية حادة، إلى جانب تصاعد التوترات السياسية في الداخل، المشهد السياسي في مالي يزداد تعقيداً مع تصاعد الأصوات المطالبة بالعودة إلى الحكم المدني.

فقد شهدت العاصمة باماكو نهاية الأسبوع الماضي مظاهرات حاشدة ضمت مئات النشطاء المؤيدين للديمقراطية، في أول خروج شعبي مناهض للحكومة العسكرية منذ استيلائها على السلطة بالقوة قبل نحو أربعة أعوام.

المتظاهرون رفعوا شعارات تطالب بإنهاء الحكم العسكري وتنظيم انتخابات ديمقراطية حرة، في تحدٍ واضح لتهديدات الحكومة بحظر التجمعات السياسية.

أحد أبرز الأصوات المعارضة، شيخ عمر دومبيا، وهو قائد بارز في الحركة المناهضة للمجلس العسكري، قال في تصريح لوكالة "أسوشيتد برس" تعليقاً على القرار: "لست متفاجئاً، لقد توقعت هذا، لأن هذه طريقتهم في منعنا من تنفيذ أنشطتنا، لكننا سنواصل الدفاع عن ديمقراطيتنا في مالي، إننا شعب ملتزم تجاه الديمقراطية".

هذا التصريح يعكس مدى الإصرار الذي يتمسك به النشطاء المدنيون في وجه السلطة العسكرية، رغم المخاطر المتزايدة.

التوترات في مالي لا تقتصر فقط على الداخل، بل تمتد إلى علاقاتها الإقليمية، ففي خطوة متزامنة، قرر المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الذي تربطه بمالي علاقات وثيقة، إلغاء قانون الأحزاب والتجمعات السياسية، مستنداً في قراره إلى توصيات "المؤتمر الوطني لإعادة التأسيس"، في مؤشر واضح على توجه الأنظمة العسكرية في المنطقة نحو تشديد القبضة الأمنية على الحكم.

داخلياً، يواجه المجلس الانتقالي في مالي تحديات متزايدة، منها عدم الالتزام بالجدول الزمني لتنظيم الانتخابات، وهو ما يضعه في مواجهة مباشرة مع الضغوط الدولية.

إضافة إلى ذلك، عاد الصراع مع الطوارق في الشمال إلى الواجهة، بعد أن علّق المجلس العمل باتفاق السلام والمصالحة الموقّع في الجزائر عام 2015، مما يزيد من احتمالات تصاعد العنف في مناطق الشمال المضطربة.

ورغم كل هذه التحديات، يبدو أن المجلس العسكري عازم على المضي قدماً في تعزيز سيطرته، متجاهلاً الأصوات الدولية والمحلية التي تطالب بضرورة احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ورغم العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التي تفرضها دول الجوار والمجتمع الدولي، لا يظهر الجنرال غويتا أي نية للتراجع عن قراراته.

في هذا السياق، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن للجنرال غويتا ونظامه العسكري الحفاظ على استقرار البلاد في ظل هذه القرارات المثيرة للجدل؟ وكيف ستؤثر هذه التحركات على مستقبل الديمقراطية في مالي والمنطقة بشكل عام؟ يبقى المستقبل غامضاً في بلد لم يعرف الاستقرار منذ عقود، حيث تتشابك المصالح المحلية والدولية في صراع طويل الأمد على السلطة والنفوذ.