السدو العسيري يتألّق في لندن
السدو العسيري يتألّق في لندن: السعودية تحجز موقعاً بارزاً في أسبوع الحرف اليدوية 2025
كتب بواسطة: سوسن شرف |

في خطوة تعكس التزام المملكة العربية السعودية بتعزيز حضورها الثقافي عالمياً، وتأكيداً على غنى تراثها الحرفي، أعلنت هيئة التراث السعودية عن مشاركتها الرسمية في "أسبوع الحرف اليدوية في لندن 2025"، أحد أبرز الفعاليات العالمية المتخصّصة في الصناعات التقليدية، وستقام الفعالية في العاصمة البريطانية خلال الفترة من 13 إلى 18 مايو المقبل، بمشاركة أكثر من ألف حرفي ومصمم من مختلف قارات العالم.

وتحمل المشاركة السعودية هذا العام طابعاً خاصاً، إذ تختار المملكة تقديم حرفة "السدو العسيري" كرمز لتراثها العريق، من خلال عروض حيّة وتصاميم إبداعية تمزج بين الأصالة والتجديد، وتأتي هذه المشاركة النوعية بالتزامن مع إعلان مجلس الوزراء السعودي عام 2025 عاماً للحرف اليدوية، ضمن رؤية ثقافية تهدف إلى تمكين الحرفيين، ودعم الاقتصاد الإبداعي المحلي، وتوسيع آفاق الحرف السعودية على الساحة العالمية.

وتُعد حرفة السدو واحدة من أقدم الفنون النسيجية في شبه الجزيرة العربية، وتمثل جزءاً أصيلاً من الحياة البدوية في مختلف مناطق المملكة، لا سيما في منطقة عسير، حيث اشتهرت النساء بإتقان هذه الحرفة التي تعتمد على أنوال بدائية وأساليب تقليدية تنسج بها الخيوط بألوانها الزاهية وأنماطها الرمزية، وفي معرض لندن، ستُعرض تصاميم السدو بأسلوب عصري يواكب روح العصر، دون أن يفقد طابعه التراثي، عبر مجموعة من المنتجات التي تضم قطعاً نسيجية، وأثاثاً، وأزياءً، وديكورات منزلية مستوحاة من نقوش السدو التقليدية، وستُقدَّم هذه الأعمال ضمن جناح مصمم بعناية ليعكس الهوية الثقافية السعودية من خلال ألوانها، وموادها، وزخارفها البدوية.

وتقول هيئة التراث إن هذه المشاركة تعكس جهود المملكة في تحويل التراث إلى مورد اقتصادي ورافد للهوية الوطنية، وتؤكّد حرصها على إظهار الوجه الثقافي للمملكة في محافل دولية رفيعة المستوى، ويُعد "أسبوع الحرف اليدوية في لندن" من أبرز المنصات الدولية لعرض فنون الحِرف من حول العالم، حيث يشارك هذا العام أكثر من 1000 فنان وحرفي من أكثر من 50 دولة، ضمن أكثر من 400 معرض وفعالية تمتد في أرجاء العاصمة البريطانية، وتتوزع بين عروض حيّة، وورش تفاعلية، ومعارض متخصصة.

ومن أبرز الفعاليات المصاحبة لهذا الأسبوع، معرض "السيراميك السري" الذي تنظمه دار كريستيز، ويضم 100 عمل فني غير موقّع لمجموعة من أشهر الفنانين العالميين، كما يشهد الأسبوع عروضاً لفنون النحت، والتطريز، وصناعة القبعات، والنسج، إضافة إلى ورش عمل في متحف "في آند أيه"، وتجارب تفاعلية في مدرسة "سيتي آند جيلدز للفنون"، حيث يُمكن للزوار خوض تجربة الحفر، والنحت، والحفظ الفني، كما يبرز معرض "باياكي"، الذي يسلّط الضوء على الزينة البولندية التقليدية، ويجمع بين الفنون الفولكلورية والتقنيات المعاصرة، في مثال حيّ على كيفية تجديد التراث ليواكب الحاضر.

وترى وزارة الثقافة السعودية أن هذه المشاركة تتجاوز البُعد التمثيلي، لتشكّل جزءاً من استراتيجية وطنية شاملة لدعم الصناعات الثقافية، وتمكين الحرفيين السعوديين من الوصول إلى الأسواق العالمية، وقد سبق أن أطلقت الوزارة عدداً من المبادرات لدعم الحرف اليدوية، من بينها إنشاء معاهد تدريب، وتمويل المشاريع الصغيرة، وتنظيم معارض محلية ودولية، وتُعد الحرف اليدوية في السعودية من أبرز مظاهر التنوع الثقافي، وتشكّل ركيزةً أساسية في برنامج "الهوية الوطنية"، الذي يسعى إلى توثيق وتطوير مختلف عناصر التراث السعودي، وتحويلها إلى أدوات للتعبير الإبداعي والتنمية المستدامة.

وفي تصريح سابق، أكدت هيئة التراث أن دعم الحرفيين السعوديين لا يقتصر على الترويج لهم في المعارض الدولية، بل يمتد إلى تقديم برامج تدريبية وفرص تمويل، وإنشاء منصات بيع إلكترونية تتيح لهم الوصول إلى جمهور أوسع داخل وخارج المملكة، ويُشار إلى أن المملكة العربية السعودية كثّفت خلال السنوات الأخيرة من مشاركاتها الثقافية الدولية، ضمن رؤية شاملة تستهدف تعزيز قوتها الناعمة، وقد شهدت هذه المشاركات تقديراً واسعاً، خصوصاً تلك التي تسلط الضوء على عناصر فريدة من التراث السعودي، مثل فن القط العسيري، والخط العربي، وفنون الطهي التقليدي، والسدو الذي أدرجته اليونسكو عام 2020 على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.

وتأمل المملكة أن تسهم هذه المشاركات في دعم اقتصاد الثقافة، وفتح آفاق جديدة أمام الحرفيين الشباب، وتحفيز الاستثمار في الصناعات الإبداعية التي باتت تمثّل أحد محركات النمو الاقتصادي حول العالم، ولا تعد مشاركة السعودية في "أسبوع الحرف اليدوية في لندن 2025" مجرد حضور رمزي، بل هي تأكيد عملي على سعي المملكة نحو ترسيخ مكانتها الثقافية العالمية، وتقديم تراثها العريق بأسلوب معاصر وجاذب، وبين خيوط السدو العسيري، تنسج المملكة رسالةً حضارية تُبرز فيها أصالة الماضي وتطلعات المستقبل، في مزيج يُثبت أن التراث حين يُعرض باحترافية، يصبح لغة عالمية يتذوقها الجميع.