طيلة الأشهر الماضية، اهتمت الصحافة الثقافية فى أوروبا بكتاب «الهيبنوقراطية: ترامب، ماسك.. وهندسة الواقع لكاتبه المزعوم جيانوى شون من هونج كونج، والموضوع الذى يعالجه، حيث ترتكز فكرة الكتاب على نقد النظام العالمى الحالى الذى يتصدره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك.
من أشهر مقتطفات الكتاب «يبرز اليوم نظام لا يُمارَس فيه التحكم من خلال قمع الحقيقة، بل من خلال تكاثر السرديات إلى درجة يصبح فيها وجود أى نقطة ثابتة أمرا مستحيلا»، والمفارقة التى ارتكز عليها العمل هى أن الكتاب، الذى يتأمل فى «أشكال جديدة من التلاعب» لجأ إلى «خداع» الجمهور بشكل ما، حيث إن أطروحة الكتاب تنطلق من أن الخطاب الذى ألقاه دونالد ترامب، خلال حفل تنصيبه فى الكابيتول، لا يمثل مجرد حدث سياسى أو انتصار لأيديولوجيا معينة، بل يجسد بشكل حاسم بروز نظام جديد للواقع، حيث تمارس فيه السلطة تأثيرها من خلال التلاعب المباشر بحالات الوعى الجماعى، وتنكشف المنصات الرقمية على حقيقتها، فهى ليست مجرد أدوات للتواصل، بل تقنيات تنويم مغناطيسى تعيد تشكيل الطريقة التى ندرك بها الواقع ونفسره.
نقرأ فى مجلة فرنسية عن المؤلف قوله: «نحن نعيش اليوم فى زمن لم يعد فيه من يمسك بالسلطة بحاجة إلى العنف أو إلى الإقناع بالعقل والمنطق؛ كل ما عليه فعله هو التأثير على وعى الناس ومشاعرهم الجماعية، حيث يتم توجيه انتباهنا مثل موجة، وتُزرع فينا مشاعر معينة، وتُحرَّك كما يريد من يتحكم بالمشهد، وهكذا، تتكرر الرسائل والإيحاءات باستمرار حتى تختفى الحقيقة وسط أحلام كثيرة موجهة.
ويرى شون، فى الحوار الذى جرى على الأرجح عن بعد، وتعاون فيه المفكر الإيطالى أندريا كولاميديشى مع الذكاء الاصطناعى، أنه «لم تعد هناك قصة واحدة نفهم من خلالها العالم.. نحن ــ وأنتم ــ فى عالم متشظٍّ، تتنافس فيه آلاف القصص لتكون كل واحدة منها الحقيقة الوحيدة، ولو لفترة قصيرة، لكن هذه القصص لا تتحاور أو تتكامل، بل تتصارع، وتتداخل وتنعكس على بعضها البعض، حتى نجد أنفسنا فى متاهة من المرايا، لا نعود نعرف فيها الفرق بين الحقيقة والوهم.