حسمت تركيا، مساء اليوم، الجدل الذي أُثير خلال الأيام الماضية بشأن عبور طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجوائها، في رحلة قيل إنها كانت متجهة إلى إحدى الدول الآسيوية، وجاء الرد التركي ليضع حدًا لسلسلة من التكهنات السياسية والإعلامية التي ترافقت مع الواقعة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
ففي بيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية التركية، أكدت أن "عبور الطائرات الدبلوماسية أو الرسمية لأي دولة يخضع لإجراءات مسبقة وطلبات رسمية تُدرس بعناية قبل اتخاذ أي قرار بشأنها"، مشيرة إلى أن "أي عبور من هذا النوع لا يتم إلا بعد موافقة الجهات المختصة، ولا يُفترض به أن يعكس تغييرًا في السياسات أو المواقف الثابتة للدولة التركية تجاه الملفات الإقليمية".
وأوضح البيان أن طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي لم تعبر المجال الجوي التركي بشكل فعلي، بل طُرح الطلب ضمن ترتيبات لرحلة مجدولة، قبل أن يتم رفضه بهدوء دون الإعلان عن ذلك في حينه، وأضافت الوزارة أن "تركيا ملتزمة بمواقفها المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، ولا يمكن تفسير أي قرار فني أو ملاحي بمعزل عن هذا الثابت".
وكانت وسائل إعلام عبرية قد تناقلت أنباء مفادها أن طائرة نتنياهو استخدمت المجال الجوي التركي، ما اعتُبر من قِبل محللين "اختراقًا رمزيًا" للعزلة الإقليمية التي يعاني منها رئيس الحكومة الإسرائيلية منذ تصاعد العدوان على غزة، وتراجع شعبيته داخليًا وخارجيًا. كما فسّر البعض ذلك على أنه مؤشّر على وجود قنوات اتصال خلف الكواليس بين أنقرة وتل أبيب، رغم التصريحات النارية المتبادلة.
لكن التوضيح التركي أعاد الأمور إلى نصابها، نافيًا بشكل غير مباشر تلك المزاعم، وموضحًا أن أنقرة لا تزال متمسكة بموقفها الرافض للعدوان الإسرائيلي، وأكد البيان أن "تركيا تنسق بشكل دائم مع شركائها الإقليميين والدوليين في كل ما يتعلق بالأمن الملاحي والسيادة الجوية، وتعمل وفق مبادئ القانون الدولي".
ومن جانبه، أعاد المتحدث باسم الرئاسة التركية فخر الدين ألطون نشر البيان على حسابه الشخصي عبر منصة "إكس"، مؤكدًا أن "تركيا لم ولن تكون ممرًا آمنا لمرتكبي الجرائم بحق المدنيين في غزة، وأي تفسير خارج هذا الإطار هو تضليل للرأي العام".
ويأتي هذا التوضيح التركي في وقت تتزايد فيه الضغوط الشعبية داخل تركيا مطالبة بقطع كل أشكال العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك التعاون التجاري والدبلوماسي، وذلك على خلفية المجازر المتواصلة في الأراضي الفلسطينية، وقد شهدت عدة مدن تركية مظاهرات ضخمة خلال الأيام الماضية، كان أبرزها في إسطنبول وأنقرة، حيث رفع المتظاهرون شعارات تندد بالصمت الدولي وتدعو الحكومة لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه الاحتلال.
وتعكس هذه الواقعة الحساسية الشديدة التي باتت تحكم العلاقات التركية الإسرائيلية، والتي دخلت مرحلة من التذبذب الحاد منذ أحداث أسطول مرمرة عام 2010، رغم محاولات التقارب التي شهدتها السنوات القليلة الماضية.
ويرى مراقبون أن تركيا، رغم سعيها للحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع كافة الأطراف في المنطقة، إلا أنها تدرك جيدًا الثمن السياسي والأخلاقي لأي انفتاح على حكومة يمينية متطرفة كحكومة نتنياهو، خاصة في ظل ارتكابها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، علّق المحلل السياسي التركي "مراد يتكين" بأن "ما حدث هو محاولة من إسرائيل لاختبار مدى جدية الموقف التركي، وربما إحراج الحكومة أمام الداخل التركي، إلا أن الرد جاء محسوبًا بدقة، فتركيا لم تنفِ الخبر كليًا، لكنها أوضحت أن العبور لم يتم، وهو ما يكفي لنزع الشرعية عن أي محاولة للترويج لاختراق سياسي".
كما رأى محللون آخرون أن توقيت هذه الأنباء ليس بريئًا، بل يرتبط بمساعي إسرائيلية لإظهار أن عزلة نتنياهو المعلنة بدأت تتآكل، فيما تحاول أنقرة تفادي التورط في هذا المشهد بأي صورة كانت، خاصة مع تصاعد التأييد الشعبي الكبير للقضية الفلسطينية في الداخل التركيز.
وفي المحصلة، يبدو أن تركيا أرادت إرسال رسالة مزدوجة: أولها أن سيادتها الجوية لا تُستخدم لأغراض دعائية من أي طرف، وثانيها أن موقفها من العدوان الإسرائيلي لا يزال راسخًا، سواء في الجو أو على الارض.