الأربعاء وبينما كانت الأسواق تترقّب أنفاسها الأخيرة قبل قرار الفيدرالي الأميركي، استقر الدولار في التعاملات الآسيوية المبكرة وسط جو اقتصادي غائم لا يخلو من القلق، حالة الترقب هذه تأتي في وقت حساس تشهد فيه الأسواق حالة من عدم اليقين، بينما يتحضّر مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاتخاذ قرار جديد بشأن السياسة النقدية في ظل تباطؤ اقتصادي عالمي وضغوط متزايدة من كبار المستثمرين في آسيا الذين يواصلون بيع الأصول الأميركية بوتيرة ملحوظة.
رغم هذا الجمود النسبي في أداء الدولار فإن الأسواق لم تكن هادئة تمامًا، فالأحاديث التي تم تداولها حول محادثات مرتقبة بين الولايات المتحدة والصين يوم السبت خفّفت من حدّة المخاوف المرتبطة بالحرب التجارية، هذا التوجه التصالحي ولو مؤقتًا أعاد بعض التوازن إلى نفسية المستثمرين الذين رأوا في هذه المحادثات بارقة أمل بعد شهور من التوتر الذي عصف بثقة الأسواق العالمية، لا سيما في تعاملها مع الدولار الأميركي.
من المنتظر أن يُعلن جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي موقف البنك من أسعار الفائدة، أغلب التوقعات تُرجّح أن تُترك الفائدة دون تغيير في هذا الاجتماع، مع تأكيد الفيدرالي أن أي خطوة مقبلة ستُتخذ بناءً على توفر بيانات اقتصادية أكثر دقة، هذه المقاربة تُعبّر عن سياسة حذرة ومترقبة في آنٍ معًا، وتُظهر أن البنك المركزي لا يريد الانجرار إلى قرارات قد تكون مكلفة في بيئة مالية مضطربة عالميًا.
على صعيد الأسواق الناشئة سجل الدولار تراجعًا ملحوظًا في الأسبوع الماضي مدفوعًا بقرارات بيعية من قبل المستثمرين العالميين الذين أعادوا الأموال إلى أوطانهم أو اتجهوا نحو عملات أكثر استقرارًا، هذه التحركات تركت أثرها بشكل واضح خصوصًا مع تسجيل العملة التايوانية ارتفاعًا استثنائيًا بنسبة تفوق 10% مقابل الدولار منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة، ورغم أن العملة التايوانية تراجعت قليلًا بنسبة 0.7% يوم الأربعاء إلا أن المكاسب التي حققتها مؤخرًا تُعد مؤثرة في حركة العملات الآسيوية.
الوون الكوري بدوره سجّل أعلى مستوياته في ستة أشهر خلال بداية تعاملات الأربعاء، لكنه سرعان ما فقد زخمه ليتراجع بنسبة 1.5%، أما اليوان الصيني فقد انخفض بعد إعلان الصين قرارًا طال انتظاره يتعلق بخفض أسعار الفائدة، وهو تحرك يعكس حجم القلق داخل بكين بشأن وتيرة التعافي الاقتصادي، لا سيما مع تصاعد الحرب التجارية وتأثيرها على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
محافظ البنك المركزي الصيني أعلن عن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي لأول مرة في عام 2025، وهو ما يعادل ضخ نحو تريليون يوان (138.9 مليار دولار) في الاقتصاد المحلي بهدف تحفيز النمو، ودعم القطاع العقاري، وتعزيز الابتكار، وقد ترافق هذا الإجراء مع خفض في سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء العكسية.
أما على مستوى الأداء العام للعملات فقد شهد مؤشر الدولار استقرارًا نسبيًا بعد ثلاث جلسات متتالية من الانخفاض، في حين تراجع اليورو قليلًا إلى 1.1338 دولار، بعدما استفاد من الزخم السياسي الناتج عن انتخاب فريدريش ميرتس مستشارًا لألمانيا، الين الياباني أيضًا لم يسلم من التقلب حيث أنهى سلسلة مكاسب دامت ثلاثة أيام بتراجع 0.4% بعد عودة الأسواق اليابانية من عطلة قصيرة.
في الجانب الأميركي ارتفعت العقود الآجلة للأسهم بعد تصريحات من واشنطن بشأن لقاء مرتقب بين وزير الخزانة سكوت بيسنت وكبير مفاوضي التجارة جيميسون جرير مع أكبر مسؤول اقتصادي صيني، في لقاء مرتقب سيُعقد في سويسرا، هذه الاجتماعات وإن لم تُسفر فورًا عن اتفاقيات حاسمة إلا أنها تُعد خطوة رمزية نحو تهدئة الأجواء التجارية المتوترة، وهو ما أشار إليه ترامب بتلميحه إلى إعلانات محتملة هذا الأسبوع بشأن بعض الاتفاقيات.
وسط هذه الديناميكية السريعة كتب جورج سارافيلوس الرئيس العالمي لأبحاث الصرف الأجنبي في دويتشه بنك معلقًا على التقلبات الأخيرة في العملات الآسيوية، أن ما حدث في تايوان يُعد بمثابة "طلقة تحذيرية" لبقية الأسواق، في إشارة إلى أن ما نشهده ليس نهاية المطاف، بل ربما بداية مرحلة أكثر تعقيدًا في الأسواق العالمية، حيث لا أحد يستطيع أن يتنبأ بدقة بما سيحدث غدًا.