الإمارات ترد على السودان.
الإمارات ترد على السودان: لا نعترف بقرار سلطة بورتسودان ونتمسك بعلاقاتنا مع الشعب السوداني
كتب بواسطة: سالي حسنين |

في تطور دبلوماسي لافت يعكس تصاعد التوترات الإقليمية المحيطة بالأزمة السودانية المستمرة منذ أكثر من عام، أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم الأربعاء، بيانًا رسميًا ردت فيه على إعلان السلطات في مدينة بورتسودان -المعقل الإداري للحكومة السودانية المعترف بها دوليًا- قطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي، في خطوة فجرت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والدبلوماسية العربية والدولية.

وأعلنت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان شديد اللهجة رفضها القاطع لما وصفته بـ"القرار الصادر عن سلطة بورتسودان"، مؤكدة أنه "لا يمثل الحكومة الشرعية للسودان ولا يعبر عن إرادة الشعب السوداني الشقيق"، وأضاف البيان: "الإمارات لا تعترف بقرار سلطة بورتسودان، ولا تعتبر ما صدر عن ما يسمى مجلس الأمن والدفاع بيانًا رسميًا يؤثر على العلاقات التاريخية والراسخة بين دولة الإمارات وجمهورية السودان وشعبيهما".

وكانت الحكومة السودانية المؤقتة التي تتخذ من بورتسودان مقرًا لها، قد أعلنت في وقت سابق هذا الأسبوع عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الإمارات، متهمة أبوظبي بـ"التدخل في الشؤون الداخلية" و"دعم طرف في الصراع"، هذا الإعلان المفاجئ جاء في أعقاب تصعيد سياسي أعقب رفض محكمة العدل الدولية دعوى تقدمت بها حكومة بورتسودان ضد الإمارات، وهي الدعوى التي لم يُكشف عن تفاصيلها بشكل كامل حتى الآن.

وقد أشارت وزارة الخارجية الإماراتية في بيانها إلى هذه التطورات قائلة: "قرار سلطة بورتسودان يأتي كردّ فعل مباشر على قرار محكمة العدل الدولية، التي رفضت الدعوى المقدّمة ضد الإمارات، ما يعكس محاولة للهروب من مساعي وجهود السلام الحقيقية،" وفي موقف غير مألوف في لغة الخطاب الدبلوماسي الإماراتي، جاء البيان متضمنًا عبارات حادة تجاه سلطة بورتسودان، واصفًا تصريحاتها الأخيرة بـ"المشينة"، ومتهمًا إياها بمحاولة "التهرب من جهود السلام"، ومشدّدًا على أن السودان "بحاجة إلى قيادة مدنية، مستقلة عن السلطة العسكرية، تضع مصلحة الشعب السوداني الشقيق في المقام الأول".

وأضاف البيان الإماراتي: "القيادة التي يدعيها طرف بورتسودان قتلت نصف الشعب، وجوعت وشرّدت النصف الآخر"، في اتهام صريح للحكومة المعترف بها دوليًا بتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للملايين من المدنيين السودانيين المتضررين من الحرب، ويُشار إلى أن السودان يعيش منذ أبريل 2023 في حالة من الانقسام السياسي والعسكري العميق، إثر اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مما أدى إلى انهيار شبه تام لمؤسسات الدولة، ونزوح ملايين السودانيين داخليًا وخارجيًا.

وقد أدى هذا الانقسام إلى بروز مركزين للسلطة، أحدهما يتخذ من بورتسودان مقرًا له ويُعتبر الامتداد الرسمي للجيش والحكومة السودانية، فيما يسيطر الطرف الآخر -الدعم السريع- على العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، وسط تباين واضح في المواقف الإقليمية والدولية من كل طرف، وفي هذا السياق، يعتبر كثير من المراقبين أن الموقف الإماراتي الجديد يعكس تحوّلًا في الاستراتيجية الدبلوماسية تجاه السودان، حيث باتت أبوظبي أكثر صراحة في تحديد موقفها من الأزمة، وخصوصًا في دعمها الواضح للحل المدني بعيدًا عن الأطراف العسكرية، وهو ما يعيد إلى الواجهة النقاش الدائر حول الدور الإقليمي للإمارات في النزاعات بمنطقة القرن الإفريقي.

وفي الوقت الذي يتزايد فيه الانقسام الداخلي السوداني، تحذر العديد من الجهات السياسية من أن قرار قطع العلاقات مع الإمارات -إن تم تبنّيه بشكل رسمي من قبل المجتمع الدولي- قد يؤدي إلى عزلة دبلوماسية أكبر للسلطة في بورتسودان، خاصة أن الإمارات تعد من الدول المؤثرة اقتصاديًا وإنسانيًا في المنطقة، ولها مساهمات كبيرة في دعم الاستقرار في عدة دول إفريقية، كما يرى بعض المحللين أن توقيت القرار السوداني يأتي في سياق محاولة لحشد الدعم الشعبي داخليًا، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة لأداء الحكومة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتزايد حدة الأزمة الإنسانية، وهو ما يفسر تصعيد الخطاب السياسي ضد الإمارات وغيرها من الأطراف الإقليمية.

وعلى الرغم من تأكيد الإمارات التزامها بعلاقات "راسخة" مع الشعب السوداني، فإن استمرار هذا التوتر السياسي قد يعقّد من جهود الوساطة الجارية، لا سيما في ظل تعثر مبادرات وقف إطلاق النار، وتضارب مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين تجاه طرفي النزاع في السودان، وفي الوقت الراهن، لا تزال تداعيات هذا القرار تتفاعل، في انتظار ما إذا كانت بورتسودان ستمضي قدمًا في تنفيذ قرار قطع العلاقات بشكل فعلي، أو إذا ما كانت هناك بوادر لوساطة محتملة قد تنزع فتيل الأزمة الدبلوماسية الناشئة بين الطرفين.