دخلت هدنة لمدة ثلاثة أيام حيز التنفيذ فجر الخميس بين موسكو وكييف، بموجب أمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قرر إعلانها بمناسبة الذكرى السنوية للنصر على ألمانيا النازية، ووفقًا لوسائل الإعلام الروسية الرسمية بدأ وقف إطلاق النار تزامنًا مع الذكرى الثمانين لما وصفته موسكو بـ"النصر العظيم"، في خطوة تهدف إلى تخفيف حدة النزاع المستمر بين الطرفين منذ أكثر من عام.
لكن كييف رفضت هذه المبادرة الروسية معتبرةً أنها مجرد "خدعة إعلامية" تهدف إلى كسب الوقت في الوقت الذي تستمر فيه الهجمات على الأراضي الأوكرانية، ووصفت الحكومة الأوكرانية الهدنة بأنها غير كافية وطالبت بوقف إطلاق نار شامل لمدة ثلاثين يومًا، وهو ما يعتبرونه خطوة أكثر جدوى نحو إرساء السلام بشكل جاد، وقالت السلطات الأوكرانية إن الهدنة الروسية لا تمثل سوى مناورة دعائية تهدف إلى تقديم صورة مختلفة عن الواقع الميداني.
في الوقت الذي دخلت فيه الهدنة حيز التنفيذ، شهدت الساعات التي سبقت ذلك تصاعدًا في وتيرة الهجمات، حيث تبادل الطرفان غارات جوية مكثفة، وأسفر ذلك عن مقتل شخصين على الأقل في أوكرانيا، فضلًا عن تدمير بعض المنشآت العسكرية بالإضافة إلى إغلاق عدة مطارات روسية بسبب الهجمات، وفيما يتعلق بالجانب الروسي، أكد الكرملين التزام قواته بأوامر بوتين في وقف إطلاق النار مشيرًا إلى أن القوات الروسية سترد بشكل فوري في حال تعرضها لهجوم من الجانب الأوكراني.
بوتين برر تلك المبادرة بأنها تهدف إلى اختبار جدية كييف في التوجه نحو السلام، خصوصًا أن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد أسفرت عن خسائر بشرية ومادية ضخمة من الجانبين، من جانبها، رحب بعض السياسيين الروس بالهدنة معتبرين أنها تمثل فرصة للضغط على كييف لإبداء نية في التوصل إلى حل سياسي، خصوصًا بعد التجربة الفاشلة للهدنة التي أعلنها بوتين خلال عيد الفصح في إبريل الماضي، والتي أدت إلى انخفاض نسبي في الأعمال القتالية، رغم عدم التزام الطرفين الكامل بها.
في سياق متصل كانت روسيا قد رفضت في مارس الماضي مقترحًا أوكرانيًّا أمريكيًّا مشتركًا بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا دون شروط، هذا الرفض يعكس بحسب مراقبين، أن موسكو لا تعتبر وقف إطلاق النار خطوة مؤقتة وإنما جزءًا من خطة أكبر تهدف إلى تحسين مواقفها التفاوضية مع كييف، كما أن هذه الديناميكية توضح أن مفاوضات السلام في الوقت الراهن ما زالت تراوح مكانها مع تزايد الشكوك حول إمكانية التوصل إلى تسوية شاملة في المستقبل القريب.
إلى جانب رفض كييف للهدنة الروسية يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن المعركة على الأرض هي التي ستحدد نتائج هذه المبادرة، وهو ما يجعل الترقب للمرحلة المقبلة أمرًا محوريًا، فبينما يصر بوتين على التزام وقف إطلاق النار، لا تزال المخاوف قائمة من أن الأطراف المتحاربة قد لا تلتزم بذلك تمامًا، ما يعيد الوضع إلى المربع الأول من القتال المستمر.