النقل الآني
ثورة في الاتصالات: أول تجربة ناجحة للنقل الآني وبدون أسلاك
كتب بواسطة: ليلى حمادة |

في خطوة وصفها العلماء بالقفزة النوعية للبشرية، نجح فريق من الباحثين في تحقيق أول عملية نقل آني للمعلومات بين حاسوبين عملاقين يعملان بتقنية الحوسبة الكمية، في إنجاز يعتبر الأول من نوعه على مستوى العالم، وتمت هذه العملية باستخدام ظاهرة "التشابك الكمي"، تلك الظاهرة التي حيرت العقل البشري لعقود، حتى أن العالم الشهير ألبرت آينشتاين وصفها ذات مرة بأنها "الفعل المخيف عن بعد"، نظرًا لغرابتها وتحديها للمفاهيم التقليدية للفيزياء الكلاسيكية.

ورغم أن مصطلح "النقل الآني" قد يثير في أذهاننا مشاهد أفلام الخيال العلمي، حيث تنتقل الأجسام من مكان إلى آخر في لمح البصر، إلا أن ما تحقق في هذه التجربة يقتصر على نقل المعلومات الكمية، أو ما يعرف بالـ"كيوبت" بين معالجين كموميين، ويعد هذا إنجازًا كبيرًا لأنه يسمح بنقل البيانات بطريقة غير مسبوقة، دون الحاجة لاستخدام الكابلات أو الألياف الضوئية، وفقًا لتقرير نشره موقع "Ecoportal" واطلعت عليه "العربية Business".

في هذه التجربة، استخدم الفريق البحثي من جامعة أكسفورد تقنية "مصيدة الأيونات"، وهي تقنية تعتمد على توجيه أشعة الليزر بدقة نحو أيونات معلقة داخل مجال كهرومغناطيسي، مما يسمح بإنشاء حالات من التشابك الكمي بين هذه الأيونات، وعبر التحكم الدقيق في هذه الحالات، تمكن العلماء من نقل "الكيوبت" بين الحاسوبين بنجاح، محققين بذلك إنجازًا غير مسبوق في عالم الاتصالات الكمومية.

ورغم أن هذا النقل الآني لا يعني انتقال المادة نفسها كما يصور الخيال العلمي، إلا أنه يمثل قفزة هائلة في نقل المعلومات، حيث يمكن في المستقبل الاستغناء عن الكابلات والألياف الضوئية بشكل كامل، ونقل كميات ضخمة من البيانات عبر التشابك الكمي بشكل لحظي، دون أي تأخير، وهذا المفهوم يمكن أن يحدث ثورة في عالم الاتصالات، حيث تصبح الشبكات الكمومية قادرة على نقل المعلومات بسرعة أكبر بكثير من شبكات الألياف التقليدية، مع مستوى أمان غير مسبوق، إذ تعتبر البيانات المنقولة عبر التشابك الكمي غير قابلة للاختراق أو الاعتراض.

وتشير مجلة "ساينس أليرت" إلى أن هذا الإنجاز يفتح الباب أمام إنشاء شبكات كمومية فائقة السرعة يمكن استخدامها في مختلف المجالات، من التطبيقات الحكومية إلى الأنظمة المصرفية وحتى المستشفيات، حيث يمكن نقل البيانات بشكل آمن وفوري دون أي تأخير، وهذه الشبكات يمكن أن تُغيّر وجه التكنولوجيا والاتصالات كما نعرفها اليوم، وتفتح المجال أمام تطوير تطبيقات جديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وحتى استكشاف الفضاء.

ورغم أن الحوسبة الكمية لا تزال في مراحلها الأولى مقارنةً بالحوسبة الكلاسيكية، فإن هذا الإنجاز يمثل خطوة كبيرة نحو بناء إنترنت كمومي عالمي يعيد تعريف كل ما نعرفه عن المعلومات والاتصالات، وقد نشهد قريبًا عالما يتواصل فيه البشر والأجهزة عبر شبكات غير مرئية تربط بين القارات والمدن دون الحاجة لأي أسلاك، مما سيُحدث ثورة في جميع مجالات الحياة، من التجارة إلى التعليم والطب.

إنها لحظة تحوّل كبرى، حيث تقترب البشرية خطوة جديدة من تحويل الخيال العلمي إلى واقع ملموس، يقف على أعتاب ثورة تكنولوجية لا حدود لها، وما تحقق اليوم ليس مجرد إنجاز تقني، بل خطوة نحو مستقبل تتداخل فيه العلوم والخيال لتغيير شكل الحضارة الإنسانية كما نعرفها.