التصعيد العسكري

كشمير تشتعل من جديد: ثلاث قوى نووية على حافة الهاوية

كتب بواسطة: تميم بدر |

تعود كشمير إلى واجهة التوترات الإقليمية والدولية في جنوب آسيا، بعدما شهدت المنطقة تطورات دموية جديدة تسببت في تأجيج الأزمة التاريخية الممتدة منذ منتصف القرن العشرين، فالهجوم الدامي الذي وقع أواخر أبريل 2025 في منطقة بَهَلغام، وأسفر عن مقتل 26 مدنياً، أشعل موجة تصعيد عسكري بين الهند وباكستان، وفتح الباب مجددًا أمام تساؤلات حول مستقبل هذا الإقليم المتنازع عليه، الذي لا تزال قضاياه الجغرافية والدينية والقومية تؤجج صراعًا متعدد الأطراف، دخلت الصين على خطه منذ عقود.

في يوم الأربعاء الموافق 7 مايو، نفذت القوات الهندية عملية عسكرية دقيقة أطلقت عليها اسم "عملية سيندور"، استهدفت بها تسع قواعد قالت إنها تابعة لمسلحين داخل الأراضي الباكستانية وفي القسم الخاضع لإسلام أباد من كشمير، الرد الباكستاني لم يتأخر، إذ شنت إسلام أباد قصفًا مدفعيًا مكثفًا على المناطق الخاضعة للسيطرة الهندية داخل الإقليم، ما أسفر عن مقتل 36 شخصاً وإصابة أكثر من 100 آخرين من الطرفين، ومع هذه الضربات المتبادلة، تدخل كشمير مجددًا مرحلة شديدة التعقيد، تتجاوز البعد الثنائي بين الهند وباكستان، لتشمل ثالثة القوى النووية الآسيوية: الصين.

تعود جذور أزمة كشمير إلى عام 1846، حين منحت بريطانيا بعد انتصارها على إمبراطورية السيخ، حكم الإقليم إلى المهراجا الهندوسي غلاب سينغ بموجب "معاهدة أمريتسار"، ومع استقلال الهند في عام 1947، أُعطي لحكام الولايات خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان، وكان حاكم كشمير آنذاك، المهراجا هاري سينغ، يفضل الحياد، إلا أن هجومًا من مسلحين مدعومين من باكستان اضطره إلى طلب المساعدة من الهند، التي تدخلت عسكريًا مقابل انضمام الإقليم رسميًا إلى الاتحاد الهندي.

رغم قرار الأمم المتحدة الداعي إلى إجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير كشمير، لم يُنفذ هذا الاقتراح حتى اليوم، وظل الإقليم منقسماً بين الهند، التي تسيطر على نحو ثلثي أراضيه، وباكستان التي تدير الثلث الباقي، مع توتر دائم وتبادل الاتهامات بين الجانبين بشأن دعم جماعات مسلحة وزعزعة الاستقرار الداخلي.

لم تبقَ الصين بعيدة عن الصراع، ففي عام 1962 خاضت حربًا خاطفة مع الهند تمكنت خلالها من السيطرة على منطقة "أكساي تشين" الواقعة شرق لداخ، هذه المنطقة، التي تمر بها طرق استراتيجية هامة أبرزها الطريق G219 الذي يربط بين التبت وشينجيانغ، تعتبرها الهند جزءًا من أراضيها، في حين تكرّس الصين سيطرتها على الأرض من خلال مشاريع استثمارية ضمن "الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني".

وبينما تحاول بكين تقديم نفسها كوسيط محايد في الأزمة الكشميرية، فإن علاقتها الوثيقة مع إسلام أباد ووجودها العسكري المتنامي في المناطق المتنازع عليها، يعكسان انخراطًا فعليًا في هذا النزاع، مما يحوله من خلاف ثنائي إلى صراع ثلاثي الأبعاد.

شهدت كشمير حربين مباشرتين بين الهند وباكستان، الأولى في عام 1965 والثانية في عام 1999، وخرجت الهند منتصرة عسكريًا في كلتيهما، إلا أن جذوة النزاع لم تنطفئ، فمنذ عقود، قُتل عشرات الآلاف بسبب العمليات العسكرية والاشتباكات المتفرقة، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين حول دعم الإرهاب والتدخل السياسي في الشؤون الداخلية.

وتنظر الهند إلى كشمير باعتبارها مكونًا رئيسيًا من وحدتها الوطنية ذات الطابع العلماني، فيما ترى باكستان في الإقليم منطقة ذات غالبية مسلمة كان يفترض أن تنضم إليها بحكم معايير التقسيم الجغرافي والديني عند الاستقلال.

أحد أبرز المنعطفات في أزمة كشمير وقع في أغسطس 2019، عندما ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور، والتي كانت تمنح ولاية جامو وكشمير حكماً ذاتياً خاصاً، وبموجب القرار، فُتحت المنطقة أمام الاستثمارات والسكان من ولايات هندية أخرى، ما أثار مخاوف من تغييرات ديموغرافية تهدد الهوية الثقافية والدينية للسكان المحليين.

تم تقسيم الإقليم إلى وحدتين اتحاديتين هما "جامو وكشمير" و"لداخ"، وأُخضعتا لسلطة الحكومة المركزية في نيودلهي، ومنذ ذلك الحين، شهد الإقليم وجودًا عسكريًا كثيفًا شمل أكثر من 600 ألف جندي، وسط تقارير حقوقية عديدة تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقيود صارمة على حرية التعبير والتنقل.

الهجوم الذي شهدته منطقة بَهَلغام في 22 أبريل 2025، وأودى بحياة 26 سائحاً، شكل شرارة التصعيد الأخير، واعتبرت نيودلهي أن الهجوم يندرج في إطار "الإرهاب العابر للحدود" بدعم من باكستان، وهو ما دفعها لتنفيذ غارات جوية داخل الأراضي الباكستانية في عملية "سيندور"، التي دمرت تسع قواعد لمسلحين بحسب الجانب الهندي.

الرد الباكستاني جاء سريعًا عبر قصف مدفعي تسبب في مقتل وإصابة العشرات، الأمر الذي زاد من حدة التوتر، وأعاد المنطقة إلى دائرة القلق الإقليمي والدولي، وسط تحذيرات من أن استمرار التصعيد قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة شاملة بين ثلاث قوى نووية.