في الرابع من مايو من كل عام، يقف العالم وقفة تأمل وتذكير بمناسبة اليوم العالمي للمرور، وهو يوم تتجدد فيه الدعوة إلى رفع الوعي المروري، وتسليط الضوء على خطورة الحوادث على الطرق، وما تخلّفه من خسائر بشرية ومادية موجعة، تعود جذور هذا اليوم العالمي إلى عام 1969م حين أُقرّ لأول مرة في مؤتمر جنيف، ثم تبنّته جامعة الدول العربية عام 1972م، ليصبح محطة سنوية للتفكير في سلامة الأفراد على الطرق، وتأكيد أهمية التقيّد بالأنظمة المرورية كأولوية لا تقبل التهاون.
ولا تأتي هذه المناسبة من باب التذكير العابر، بل هي استجابة لمأساة حقيقية باتت تؤرق المجتمعات حول العالم، فبحسب التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة، تُعد الحوادث المرورية السبب الثاني في قائمة الوفيات عالميًا، إذ تودي بحياة أكثر من مليون ونصف المليون شخص سنويًا، معظمهم من الفئات العمرية ما بين 5 إلى 30 عامًا، وتُظهر هذه الإحصائية حجم الفاجعة التي تتربص بمجتمعات العالم، وتكشف الحاجة الملحة إلى تعاون دولي وجهود وطنية متضافرة من أجل تقليص هذه الأرقام المؤلمة.
كما يُرجع التقرير الأممي الأسباب الرئيسية للحوادث إلى عاملين أساسيين: أولهما السرعة الزائدة والقيادة المتهورة، والثاني عدم الالتزام بقواعد المرور، مثل تجاهل لوحات السرعة، والتجاوز الخاطئ، والدوران غير النظامي، والتوقف العشوائي في غير الأماكن المخصصة، وعدم ترك مسافة آمنة بين المركبات، إضافة إلى الاستخدام المفرط للهاتف المحمول أثناء القيادة، وهو ما بات يشكل خطرًا متزايدًا في عصر التكنولوجيا المتسارعة.
وفي ظل هذا الواقع، لا تألو الإدارة العامة للمرور جهدًا في تعزيز ثقافة السلامة المرورية بين مختلف فئات المجتمع، إذ تعمل باستمرار على تنفيذ حملات توعوية وبرامج تدريبية، وتنظيم مناشط ميدانية وإعلامية، هدفها توجيه السائقين، والمشاة، والطلبة، بل وكل مستخدمي الطريق، نحو تبني سلوك مروري مسؤول، كما تضع الإدارة أهمية كبيرة لاحترام أنظمة السير، باعتبارها الضامن الأول لحياة سالكة وآمنة للجميع.
وتتجلى مظاهر الاحتفاء باليوم العالمي للمرور في العديد من الفعاليات المجتمعية التي تتوزع على المدارس والجامعات والمؤسسات العامة، حيث تُقام المحاضرات وورش العمل التي تشرح بأسلوب مبسط أهمية الالتزام بالقواعد، وتُعقد الحملات الميدانية التي يشارك فيها رجال المرور لتقديم الإرشادات المباشرة وتوزيع المنشورات التوعوية، في مشهد يعكس الشراكة بين الجهات الرسمية وأفراد المجتمع في نشر رسالة السلامة.
ويُسلط هذا اليوم الضوء على عدة محاور رئيسية، منها أهمية الالتزام بالسرعة القانونية، وربط حزام الأمان في كل رحلة، والتوقف التام عند خطوط عبور المشاة، وتجنب الانشغال بالهاتف، وهي ممارسات بسيطة في ظاهرها لكنها كفيلة بإنقاذ حياة إنسان، كما تركز الفعاليات على ضرورة تهيئة بيئة مرورية آمنة لعبور المشاة وراكبي الدراجات الهوائية، خاصة في المناطق الحضرية.
ولأن منظومة السلامة المرورية لا تكتمل إلا بتكامل عناصرها، فإن هذا اليوم يمثل فرصة ثمينة لتكريم رجال المرور، الذين يقفون يوميًا في وجه الفوضى المرورية، ويواجهون تحديات جسيمة تتراوح بين سوء الطقس، وازدحام المركبات، وتعدد سلوكيات المخالفة، إنهم الواجهة الحية للقانون على الطريق، ووجودهم رمز للأمن والانضباط، ولهذا فإن تكريمهم في هذه المناسبة هو أقل ما يمكن تقديمه عرفانًا لجهودهم.
وتُشكل هذه المناسبة تذكيرًا جماعيًا بأن الحفاظ على الأرواح مسؤولية لا تقع على عاتق الأجهزة الرسمية وحدها، بل تبدأ من الفرد وتنتهي بالمجتمع بأكمله، فكل سائق أو راكب أو مشاة، هو جزء من هذه المنظومة، وعليه أن يدرك أن كل مخالفة قد تُحدث أثرًا مأساويًا لا يُمحى، إن السلامة المرورية ليست ترفًا ولا تقييدًا للحرية، بل هي وعي وانضباط، وأسلوب حياة يُصنع به مستقبل أكثر أمنًا، لا سيما للأجيال القادمة التي تستحق أن تعيش في طرقات لا تهددها السرعة ولا تحاصرها الفوضى.