تتواصل الانفجارات لليوم الثالث على التوالي في مدينة بورتسودان، المقر المؤقت للحكومة السودانية، عقب سلسلة من الهجمات بالطائرات المسيّرة، حمّل الجيش السوداني مسؤوليتها لقوات الدعم السريع، الهجمات التي استهدفت البنية التحتية الحيوية للمدينة تسببت في شلل شبه كامل لحركة الطيران وأثارت قلقًا محليًا ودوليًا متزايدًا بشأن اتساع رقعة الحرب.
مع ساعات الصباح الأولى من يوم الثلاثاء، دوّت انفجارات قوية في جنوب المدينة، وتصاعدت أعمدة كثيفة من الدخان من مستودع وقود ضخم، وفق ما أفاد به مراسل "بي بي سي" في بورتسودان، وأكد شهود عيان رؤيتهم لطائرة مسيرة انتحارية وهي تضرب الخزان، ما أدى لاشتعال حريق هائل حاولت فرق الإطفاء السيطرة عليه لساعات دون جدوى، في ظل أنباء عن طلب السلطات المحلية لمساعدات خارجية تشمل استخدام طائرات متخصصة في مكافحة الحرائق.
وفي أعقاب الهجوم، علّقت سلطات الطيران جميع الرحلات من وإلى مطار بورتسودان، الذي بات نقطة حيوية للحركة الجوية المدنية والدولية، خاصة مع تراجع الأمن في مناطق أخرى من السودان، وقال مصدر مسؤول في المطار لوكالة فرانس برس إن الطائرات المسيّرة استهدفت الجزء المدني من المطار، ما أجبرهم على إلغاء الرحلات المجدولة كإجراء احترازي.
وتُعد هذه المرة الأولى التي تنفذ فيها قوات الدعم السريع هجمات بطائرات دون طيار على مدينة بورتسودان منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، ويأتي ذلك بعد أشهر من انسحابها من الخرطوم ومدن رئيسية أخرى في إطار حملة عسكرية للجيش أعادت له السيطرة على العاصمة وعدة مناطق استراتيجية في مارس/آذار الماضي.
وزارة الطاقة والنفط السودانية، في أول رد رسمي، وصفت الهجوم بأنه "عملية إرهابية تستهدف البنية التحتية المدنية"، محذّرة من تداعيات كارثية على الإمدادات النفطية شمال وشرق البلاد، فمستودعات بورتسودان تُعد الشريان الأساسي لتوزيع الوقود، وتقع في منطقة حيوية تبعد حوالي 20 كيلومترًا جنوب المدينة، التي أصبحت موطنًا مؤقتًا لمئات الآلاف من النازحين، إلى جانب مقار الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
ورغم عدم صدور أي بيان رسمي من جانب قوات الدعم السريع حول الهجمات، فإن استخدامها المتزايد للطائرات المسيّرة يعكس تغيرًا في تكتيكاتها العسكرية بعد خسارة مواقعها الحضرية الكبرى، وقد تمكنت هذه القوات سابقًا من استهداف مواقع حساسة في العاصمة، لكن هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها منشآت لوجستية استراتيجية مثل مستودعات الوقود والمطار المدني.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء هذا التصعيد، واعتبرت أن الهجوم يهدد المدنيين ويقوّض العمليات الإنسانية في مدينة ظلت حتى وقت قريب في منأى عن الدمار الواسع الذي تشهده مناطق أخرى من البلاد، وقال المتحدث باسم المنظمة، فرحان حق، إن هذه الهجمات "لم تؤثر مباشرة" على أنشطة الأمم المتحدة حتى الآن، إلا أنه أكد تعليق الرحلات الجوية الإنسانية من وإلى بورتسودان مؤقتًا.
وتأتي هذه التطورات في وقت تمر فيه البلاد بأسوأ أزمة إنسانية في تاريخها، مع تقارير تؤكد مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 13 مليون شخص داخل وخارج السودان، بالإضافة إلى مجاعة تلوح في الأفق نتيجة تعطل الإمدادات الإنسانية وشلل في البنية التحتية الحيوية، خاصة في مناطق النزاع.
ومع دخول الحرب عامها الثاني، باتت بورتسودان نقطة تمركز حاسمة لكل من الحكومة المؤقتة والمنظمات الدولية، ما يجعل استهدافها تطورًا خطيرًا يهدد بإعادة رسم خريطة النزاع، وينذر بتوسع المعارك إلى مناطق جديدة كانت حتى وقت قريب تُعتبر ملاذًا آمنًا.