تشهد الساحة السودانية مواجهات متصاعدة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، في ظل إنسحابات تكتيكية من جهة واستعادة مناطق استراتيجية من جهة أخرى، وسط اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.
وكشف مصدر عسكري رفيع للجزيرة أن القوات المسلحة السودانية قد أخلت مواقعها في مدينة النهود، كبرى مدن ولاية غرب كردفان، عقب مواجهات مع قوات الدعم السريع التي أعلنت سيطرتها على المدينة ومقر قيادة اللواء 18 مشاة، وأكد المصدر أن الجيش "سيعود بقوة" لاستعادة السيطرة على المدينة الاستراتيجية.
في المقابل، تمكنت القوات المسلحة من استعادة السيطرة على بلدة الصوفي بمحلية أم رمتة غرب ولاية النيل الأبيض، وقامت بتمشيط عدة بلدات في المنطقة، مما يشير إلى استراتيجية عسكرية تعتمد على إعادة تموضع القوات وتركيز العمليات في مناطق محددة.
وصف خالد الإعيسر، وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، ما تقوم به قوات الدعم السريع بـ"جرائم بحق المواطنين العزل" في مدينة النهود، وأضاف أن هذه القوات قامت "بقتل وذبح المواطنين في أبشع صور الإجرام"، متهماً إياها بنهب ممتلكات المدنيين وتخريب مؤسسات الدولة في المدينة.
وعززت المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان هذه الاتهامات، مؤكدة أن قوات الدعم السريع نفذت عمليات تصفية وقتل مباشر طالت نحو 300 من المدنيين، بينهم 15 امرأة و21 طفلاً، وكانت "شبكة أطباء السودان" قد وثقت مقتل أكثر من 100 مدني في مجزرة نسبتها إلى قوات الدعم السريع في النهود مساء الخميس.
هذه التطورات المأساوية أدت أيضاً إلى توقف الخدمات الصحية الحيوية، حيث أشارت التقارير إلى توقف العمل بمستشفى النهود التعليمي بعد تعرضه ومخزن الأدوية التابع لصندوق الإمدادات الطبية للنهب، مما يفاقم معاناة السكان المحليين.
في إقليم دارفور غربي السودان، قصفت القوات المسلحة مخازن أسلحة ووقود تابعة لقوات الدعم السريع في مطار نيالا بولاية جنوب دارفور، في محاولة لإضعاف قدراتها اللوجستية.
وفي تطور لافت، شنت قوات الدعم السريع غارة باستخدام طائرة مسيرة في مدينة كسلا شرقي السودان على الحدود مع إريتريا، استهدفت خزان الوقود في مطار المدينة، دون ورود معلومات عن خسائر بشرية أو مادية.
وما زالت خريطة السيطرة على الأراضي السودانية متغيرة، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء من ولايتي شمال وغرب كردفان، وجيوب محدودة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافةً إلى 4 ولايات في إقليم دارفور.
في المقابل، استعاد الجيش السوداني مؤخراً مناطق استراتيجية في العاصمة الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي ووزارات حكومية والمطار ومقار أمنية وعسكرية، مما يعكس تحولاً تدريجياً في موازين القوى على الأرض.
ومنذ اندلاع هذا الصراع منتصف أبريل/نيسان 2023، تشير تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليون سوداني، بينما قدرت دراسة أجرتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفاً، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم حالياً.
وتستمر هذه المأساة بالتعمق مع تفاقم أزمة الجوع والنزوح، لتضع البلاد أمام تحديات إنسانية غير مسبوقة تتطلب استجابة دولية عاجلة وشاملة.