إبراهيم الدرسي
ليبيا: ظهور صادم للنائب المختفي إبراهيم الدرسي يثير موجة غضب عارمة
كتب بواسطة: محمد مكاوي |

أثار الظهور المفاجئ للنائب الليبي المختفي إبراهيم أبو بكر الدرسي في مقطع مصور صادم، ردود فعل غاضبة وموجة استنكار واسعة، حيث دانت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بشدة ظروف احتجازه التي وصفتها بالمهينة وغير الإنسانية، وقد مضى ما يقارب عام على اختفاء الدرسي في ظروف غامضة خلال مشاركته في احتفالية تتعلق بعملية الكرامة التي أقيمت في بنغازي في مايو 2024.

ومنذ ذلك الحين ظل مصيره مجهولا حتى تداولت وسائل إعلام وصحفيون دوليون يوم الإثنين صورا وتسجيلات تظهر النائب في وضع جسدي ونفسي مأساوي داخل أحد أماكن الاحتجاز في مدينة بنغازي، والصور التي نشرها موقع "أفريك آسيا" الفرنسي أظهرت النائب وهو مقيد بالسلاسل في وضع مزري للغاية ولا يرتدي سوى ملابسه الداخلية بينما بدت عليه ملامح الإنهاك الشديد، ما دفع كثيرين إلى التشكيك في ظروف اعتقاله والمعاملة التي يتلقاها

كما نشر الصحفي البريطاني إيان تيرنر تسجيلا مصورا يظهر فيه الدرسي يناشد صدام حفتر، نجل القائد العام لما يعرف بالجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، بإطلاق سراحه مؤكدا أن التسجيل تم تصويره في 22 مايو 2024 أي بعد ستة أيام فقط من اختطافه من منزله في بنغازي، ما يكشف عن سلسلة من التطورات المثيرة والخطيرة التي لم تكن معروفة للرأي العام خلال الأشهر الماضية.

الحكومة الليبية وفي بيان شديد اللهجة أعربت عن غضبها العارم مما وصفته بـ"الانتهاك الصارخ للكرامة البشرية" وأكدت أن الصور والفيديوهات المسربة تمثل جريمة مكتملة الأركان لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة سياسية أو أمنية، وأضاف البيان أن المشهد الذي ظهر فيه النائب وهو مقيد على كرسي ويحيط به مسلحون يبدو أقرب إلى مشاهد التعذيب التي ارتبطت بالأنظمة الدكتاتورية أكثر منه إلى أي ممارسة مفترضة في دولة تسعى للاستقرار وإرساء مفاهيم العدالة والقانون.

وشددت الحكومة على أن هذه الأفعال لا تمس فردا بعينه فقط بل تضرب ما تبقى من القيم والأخلاق في الحياة السياسية الليبية وتفتح بابا خطيرا على ممارسات الإفلات من العقاب وتصفية الحسابات خارج القانون، وبالرغم من وجود خلافات سياسية سابقة بين الحكومة والنائب الدرسي إلا أن البيان الرسمي أشار بوضوح إلى أن هذه الخلافات لا يمكن أن تكون سببا لتبرير أو التغاضي عن تعرضه لمعاملة لا إنسانية تمثل اعتداء صريحا على حقوق الإنسان وقيم الدولة المدنية. 

كما تساءلت الحكومة عن دوافع احتجاز الدرسي خاصة أن الجهة التي يُعتقد بتورطها في العملية لا تجمعها به خصومة مباشرة وهو ما اعتبرته مؤشرا خطيرا على وجود دوافع خفية تتجاوز الحسابات السياسية المعتادة وربما ترتبط بصراعات داخلية أو رغبة في إرسال رسائل سياسية عبر وسائل الترهيب والتشهير.

في ظل هذه التطورات المتسارعة والمقلقة دعت حكومة الوحدة الوطنية إلى فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل للكشف عن ملابسات عملية الاحتجاز وظروفها ومن يقف وراءها وطالبت بإشراف بعثة دولية محايدة لتقصي الحقائق وفق المعايير الدولية لضمان شفافية التحقيق وعدم التأثير عليه بأي ضغوط داخلية أو مواقف سياسية مسبقة، كما شددت على ضرورة ضمان سلامة النائب الدرسي وتقديم كل من يثبت تورطه في هذه الجريمة إلى العدالة بغض النظر عن صفته أو موقعه في أي جهاز أمني أو عسكري.

وتشكل هذه الواقعة ضربة جديدة لصورة الحالة الحقوقية في ليبيا وتعيد إلى الواجهة أزمة الاختفاءات القسرية والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها سياسيون ونشطاء في ظل غياب سلطة مركزية موحدة وتعدد مراكز القوة والنفوذ داخل البلاد، كما أنها تطرح تساؤلات كبيرة عن دور المؤسسات الأمنية والعسكرية في ضبط الأمن واحترام القانون خاصة في مناطق يسيطر عليها أمراء الحرب والميليشيات المسلحة التي كثيرا ما تُتهم باستخدام العنف كوسيلة لإسكات الأصوات أو تمرير رسائل سياسية.

وبينما تلتزم جهات محلية بالصمت حيال المقطع المصور الذي أثار موجة غضب محلية ودولية تتصاعد الأصوات الحقوقية والدبلوماسية المطالبة بتحقيق شفاف يعيد للضحايا اعتبارهم وللعدالة حضورها ويمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات التي تسيء إلى صورة ليبيا أمام المجتمع الدولي وتعرقل أي خطوات نحو الاستقرار والمصالحة الوطنية.