فعلت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي "برنامج التطويف المركزي" في موسم حج هذا العام 1446هـ، بالتعاون مع المجلس التنسيقي لشركات أرباب الطوائف، ضمن المسارات الإثرائية التي تنفذها الإدارة العامة لشؤون التطويف والمطوفين، في خطوة تهدف إلى تقديم خدمة نوعية في أداء نسك الطواف لحجاج بيت الله الحرام.
وهذا بما يثري تجربتهم الروحية ويجعلها أكثر انتظامًا وتنظيمًا في ظل ما يشهده الحرم من كثافة بشرية وتنوع جنسي وثقافي بين الحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم، وقد اعتُمد هذا البرنامج في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها الرئاسة لتطوير أعمال الطوافة بما يتماشى مع التوجه العام نحو التحديث والتقنية في إدارة الخدمات الدينية.
وأكد معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس أن إطلاق هذا البرنامج يأتي استجابة للتطورات الحديثة في إدارة شؤون الحجاج، ويُجسّد رؤية متكاملة لتطوير مهنة الطوافة وتحويلها إلى خدمة مؤسسية تدار بكفاءة مهنية عالية مستندة إلى الضوابط الشرعية والتعليمات التنظيمية، مبينًا أن الإدارة العامة لشؤون التطويف والمطوفين تعد من التخصصات الدينية المعتمدة في الرئاسة وفق الترتيبات التنظيمية الصادرة عن مجلس الوزراء، ما يعكس أهمية هذا الجانب الديني والخدمي في منظومة الحج الشاملة، ويضعه في موقع متقدم من حيث التمكين والتطوير والتمهين.
وتُعَدُّ مبادرة التطويف المركزي من المبادرات الرائدة التي ترسّخ قيم العناية بالحجاج والارتقاء بالخدمة المقدمة لهم، وقد أعلنت الإدارة العامة لشؤون التطويف والمطوفين أن البرنامج خدم حتى الآن أكثر من 13,470 حاجًا من جنسيات مختلفة، منذ انطلاق موسم الحج، حيث يشمل البرنامج خدمات متعددة تبدأ من لحظة استقبال الحجاج في صحن الطواف، وتستمر بمرافقتهم أثناء أداء طواف القدوم، وتقديم خدمة التطويف الشرعي المتوافقة مع السنة النبوية، فضلًا عن توعيتهم بأحكام الطواف وأبرز السنن والآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء أداء هذا النسك العظيم.
ويشرف على تنفيذ هذه المبادرة فريق من الكوادر الوطنية السعودية المؤهلة شرعيًا وعلميًا، ما يضمن مستوى عاليًا من الالتزام والانضباط الشرعي والتنظيمي، إذ تحرص الإدارة على متابعة أداء المطوفين ميدانيًا بشكل مستمر لضمان التزامهم بالضوابط والتعليمات وتطبيقهم لأفضل الممارسات الشرعية والإنسانية في التعامل مع ضيوف الرحمن، وينظر إلى مهنة الطوافة بوصفها من المهن الدينية الإرشادية التي تحمل طابعًا رساليًا، حيث لا يقتصر دور المطوف على الإرشاد في أداء النسك فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تمثيل القيم الإسلامية السمحة، وعكس الصورة الحضارية للمملكة العربية السعودية وشعبها في مجال خدمة الحجيج.
وتعمل رئاسة الشؤون الدينية من خلال هذه المبادرة وغيرها على إبراز دور المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين، ولا سيما في الحرمين الشريفين، حيث تتضافر الجهود لتقديم تجربة إيمانية متكاملة لكل حاج ومعتمر، ويحرص العاملون في مجال الطوافة على الالتزام بالسنة النبوية في الأدعية والأذكار، وتقديم النصح والتوجيه الديني بلغة راقية وأسلوب ميسر يراعي تنوع الخلفيات الثقافية واللغوية لدى الحجاج.
كما أن البرنامج يعكس مبدأ التوسط والاعتدال الذي تتبناه المملكة في شؤونها الدينية والدعوية، من خلال غرس قيم الرحمة والسماحة في نفوس العاملين، وتدريبهم على كيفية التعامل الإنساني الراقي مع مختلف المواقف التي قد تواجههم أثناء تنفيذ مهامهم داخل المسجد الحرام.
إن برنامج التطويف المركزي لا يهدف فقط إلى تسهيل أداء المناسك وإنما يسعى أيضًا إلى ترسيخ الوعي الشرعي لدى الحجاج، وتحقيق انسيابية في حركة الطواف داخل المسجد الحرام، وتقليل حالات الازدحام والارتباك التي قد تحدث نتيجة عدم الدراية بأحكام الطواف، كما أن وجود مطوفين مؤهلين ومدربين يضمن تقديم معلومات صحيحة وسلسة للحجاج، ويجنبهم الوقوع في أخطاء شرعية قد تؤثر على صحة نسكهم، وفي هذا السياق تتعامل الرئاسة مع هذه المبادرة باعتبارها ركيزة أساسية ضمن استراتيجيتها الكبرى للارتقاء بمنظومة خدمات الحج والعمرة، وهي استراتيجية تتناغم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في محور خدمة ضيوف الرحمن.