أثار السياسي البولندي جرزيجورز براون موجة من الجدل العارم داخل بولندا وخارجها بعد أن أقدم على خطوة وصفت بالصادمة وغير المسبوقة تمثلت في إزالة علم الاتحاد الأوروبي من أمام مبنى وزارة الصناعة البولندية، ثم التوجه به إلى الأرض ومسح حذائه به أمام عدسات الكاميرات في مشهد تم توثيقه عبر مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي وتداولته كبرى وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية محدثًا حالة من الاستياء والسخط في الأوساط الدبلوماسية والسياسية.
براون الذي يشغل حاليًا منصب عضو في البرلمان الأوروبي ومرشح محتمل للرئاسة البولندية ظهر في الفيديو بثبات واضح وهو يسير باتجاه مبنى الوزارة قبل أن يمد يده نحو سارية العلم ويقوم بإنزاله دون مقاومة أو تدخل أمني، ثم حمل العلم الأزرق الذي يرمز للوحدة الأوروبية وقام بمسح حذائه به وهو يقول بصوت مسموع إن بولندا لن تسمح بعرض رموز المنظمات المعادية داخل أراضيها مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي لا يمثل دولة حقيقية وإنما كيانًا سياسيًا غير مرحب به بحسب وصفه.
وتابع براون حديثه قائلًا الحمد لله أنه لا يوجد شيء اسمه الدولة الأوروبية حتى الآن وأضاف أن السيادة الوطنية البولندية فوق كل اعتبار وأن بلاده لن تكون ساحة لفرض الهيمنة الأوروبية أو التبعية السياسية من بروكسل وكرر مرارًا أن المؤسسات الأوروبية تجاوزت دورها وتحولت إلى أداة ضغط سياسي واقتصادي تتنافى مع مصالح الشعوب المستقلة.
الواقعة أثارت ردود فعل متباينة داخل بولندا إذ عبّر أنصار التيارات القومية والمحافظة عن دعمهم الكامل لخطوة براون معتبرين إياها صرخة سيادية في وجه ما يصفونه بالإملاءات الأوروبية، بينما اعتبرت أحزاب المعارضة والعديد من وسائل الإعلام المحلية أن ما فعله يشكل إساءة واضحة لقيم الدبلوماسية ويمثل انتهاكًا لمبادئ الاحترام المتبادل بين الدول والمنظمات الدولية.
أما على الصعيد الأوروبي فقد أعرب عدد من المسؤولين في بروكسل عن صدمتهم من تصرف براون واصفين ما حدث بأنه انتهاك صارخ للرموز الأوروبية ومساس بروح الاتحاد الذي يضم بولندا كدولة عضوة منذ عام 2004، وقد دعت بعض الأصوات داخل البرلمان الأوروبي إلى فتح تحقيق رسمي في الحادثة ومطالبة وارسو بتوضيح موقفها من تصرف أحد ممثليها في البرلمان.
الملفت في الحادثة أن براون لم يكتفِ بالفعل بل عقد مؤتمرًا صحفيًا في وقت لاحق كرر فيه رفضه الشديد لوجود رموز الاتحاد الأوروبي في المباني الرسمية البولندية، مؤكدًا أن حملته الانتخابية للرئاسة ستقوم على استعادة ما وصفه بالكرامة الوطنية ومحاربة ما سماه التبعية الذليلة للاتحاد الأوروبي واصفًا علم الاتحاد بأنه رمز للاحتلال الناعم.
من جانبها لم تصدر الحكومة البولندية تعليقًا رسميًا حتى الآن ما زاد من حدة التكهنات بشأن احتمال وجود تباين داخل المؤسسات الرسمية حول كيفية التعامل مع الحادثة خصوصًا في ظل المناخ السياسي المحتقن الذي تعيشه البلاد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما لم تعرف بعد المواقف القانونية المحتملة تجاه براون سواء من حيث مساءلته محليًا أو أمام البرلمان الأوروبي.
وتأتي هذه الحادثة في سياق تصاعد الخطاب القومي داخل عدد من الدول الأوروبية وتنامي الأصوات المعارضة لتوسيع صلاحيات الاتحاد الأوروبي مقابل تعزيز السيادة الوطنية، وهو اتجاه ازداد زخمًا في السنوات الأخيرة نتيجة الأزمات الاقتصادية وأزمة اللاجئين والقيود المرتبطة بالسياسات المشتركة بين الدول الأعضاء.
الجدير بالذكر أن براون ليس جديدًا على إثارة الجدل فقد سبق له أن أدلى بتصريحات حادة بشأن قضايا داخلية وخارجية وواجه انتقادات حادة من منظمات حقوقية ومراقبين دوليين بسبب مواقفه المتشددة إلا أن هذه الحادثة تمثل بلا شك واحدة من أكثر تحركاته السياسية استفزازًا للاتحاد الأوروبي، وقد تلقي بظلالها على العلاقات بين وارسو وبروكسل خلال المرحلة المقبلة.
ومع استمرار الضجة حول الفيديو المتداول يظل مستقبل براون السياسي محل تساؤل إذ يرى البعض أن ما قام به قد يكسبه تأييد شريحة من الناخبين المتشددين، بينما يخشى آخرون أن يكون الثمن هو عزلة سياسية أوسع لبولندا على المستوى الأوروبي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية والسياسية لا الدخول في صراعات رمزية لا طائل منها.