وزارة التجارة السعودية
في قلب مكة: شركة نقل تتحول إلى واجهة للتستر التجاري وملاحقة قانونية تُسقط شبكة متورطين
كتب بواسطة: محمد وزان |

كشفت وزارة التجارة السعودية عن تفاصيل واحدة من أكبر قضايا التستر التجاري التي شهدتها مكة المكرمة مؤخرًا، بعد أن كشفت عن نشاط غير قانوني أدارته مواطنة سعودية ومقيمان من الجنسية البنجلاديشية تحت ستار شركة نقل، القضية التي أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والقانونية، انتهت بأحكام رادعة تؤكد مضي المملكة قدمًا في حملتها الشاملة لمكافحة التستر التجاري وتنقية السوق من الممارسات التي تعرقل النمو وتضعف الاقتصاد الوطني.

وتكشف تفاصيل القضية التي أعلنت عنها وزارة التجارة عن سيناريو معقد من التحايل، تقف في مقدمته المواطنة السعودية هند صديق عبدالقادر بوقري، والتي استخدم اسمها القانوني كواجهة لإدارة نشاط تجاري في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، دون أن تكون صاحبة القرار أو الإدارة الفعلية، خلف تلك الواجهة، كان المقيمان البنجلاديشيان محمد ولي الله عبدالحكيم ونور الدين عبدالرحمن، يديران عمليات الشركة بشكل كامل لحسابهما الخاص، في مخالفة صريحة لأنظمة التستر التجاري بالمملكة.

واستغل المتهمان قدرة المواطنة على الحصول على قروض مصرفية، ليقوما بشراء سبع شاحنات تجارية تم استخدامها في نشاط النقل، وتوسيع العمليات اللوجستية خارج نطاق الإشراف القانوني، في حين كانت عائدات النشاط تُحول إلى خارج المملكة بصورة غير نظامية، وكشفت التحقيقات التي استمرت عدة أشهر عن سلسلة من المخالفات المالية والإدارية، من بينها توقيع اتفاقيات نقل وتوريد دون ترخيص، وفتح حسابات بنكية تديرها أطراف غير مصرح لها قانونيًا، إلى جانب تحويل الأموال بطرق مشبوهة، مما زاد من تعقيد القضية.

كما تم ضبط مستندات رسمية ومالية تثبت إدارة المقيمين للنشاط دون صفة رسمية، بالإضافة إلى شهادات من متعاملين وموردين كانوا على اتصال مباشر مع المقيمين، دون وجود أي دور فعلي للمواطنة صاحبة السجل التجاري، ما عزز من أدلة الاتهام وأكد وقوع التستر بشكل ممنهج، وأصدرت المحكمة الجزائية بمكة المكرمة حكمها النهائي الذي قضى بتغريم المتورطين مبلغًا ماليًا قدره 150 ألف ريال سعودي، وشمل الحكم شطب السجل التجاري للمؤسسة، إلغاء الترخيص الرسمي للنشاط، وتصفية أصول المؤسسة، بما في ذلك إلزام المتورطين بسداد ما عليهم من مستحقات زكوية وضريبية متأخرة، في خطوة تهدف إلى تصحيح الوضع المالي للنشاط غير القانوني قبل تصفيته.

كما قررت المحكمة منع المواطنة من مزاولة أي أنشطة تجارية مستقبلية مخالفة، كإجراء احترازي يمنع تكرار مثل هذه الممارسات، بينما أُصدر أمر بترحيل المقيمين البنجلاديشيين خارج المملكة، مع منع نهائي من العودة للعمل فيها، في إشارة واضحة إلى أن العقوبات لن تقتصر على الغرامات المالية فقط، بل تشمل كل من يخل بالنظام الاقتصادي من مواطنين أو وافدين، وتأتي هذه القضية ضمن إطار أوسع من الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية في مكافحة التستر التجاري، وهي الظاهرة التي طالما مثلت عبئًا على الاقتصاد الوطني، لما تتسبب به من فقدان الفرص للمستثمرين الشرعيين، وخلل في المنافسة العادلة داخل السوق.

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن هذه الأحكام لا تمثل نهاية لقضية فردية فحسب، بل تشكل رسالة صارمة إلى من لا يزالون يمارسون التستر التجاري بأشكاله المختلفة، سواء من خلال شركات وهمية، أو عقود صورية، أو تعاملات مالية غير قانونية، كما يعكس الحكم حرص المملكة على بناء بيئة تجارية عادلة تُتيح للمستثمر الحقيقي العمل وفق الأنظمة، دون أن يواجه منافسة غير مشروعة، وشددت وزارة التجارة من جانبها، في بيانها على استمرار جهودها المكثفة في رصد وضبط كل من يثبت تورطه في التستر التجاري، مؤكدة أن فرقها الرقابية تعمل بشكل دوري وباستخدام أدوات تحقق متقدمة على مستوى المملكة، للكشف عن أي ممارسات تجارية غير قانونية.

كما دعت الوزارة المواطنين والمقيمين إلى التعاون في الإبلاغ عن حالات التستر، مشيرة إلى أن البلاغات الموثوقة تُسهم بشكل كبير في كشف المخالفات، وتحقيق العدالة، وحماية الاقتصاد الوطني من الممارسات الطفيلية التي تهدد توازن السوق، وفي منصات التواصل الاجتماعي، تلقى إعلان وزارة التجارة دعمًا لافتًا من المواطنين الذين طالبوا بمزيد من الإجراءات الصارمة ضد كل من يثبت تورطه في الإضرار بالاقتصاد الوطني، مؤكدين أن كشف مثل هذه القضايا يُعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، ويكرس مبدأ الشفافية والعدالة في التعامل مع كل من يخالف القانون.

وفي الوقت ذاته، أشار عدد من المختصين إلى أن الحد من التستر التجاري لا يمكن أن يكتمل دون رفع الوعي المجتمعي حول خطورته، وتكثيف برامج التوعية التي تستهدف مختلف فئات المجتمع، من المستثمرين ورواد الأعمال إلى العاملين في القطاعات الخدمية، ولا تعد قضية "شركة النقل" في مكة مجرد مخالفة تجارية عابرة، بل نموذج صارخ لكيف يمكن أن تتحول الثغرات القانونية إلى منفذ واسع لممارسات تضر الجميع، ومع أن العدالة قد أخذت مجراها، فإن التحدي لا يزال قائمًا، ويتمثل في الوقاية والتوعية قبل المواجهة القضائية، والمملكة، عبر وزارة تجارتها وقضائها، تؤكد أن لا تسامح مع التستر أيًا كانت صورته أو أطرافه.