روسيا والولايات المتحدة الأميركية

"دبلوماسية معقدة" موسكو: التقارب مع واشنطن يحتاج معجزة

كتب بواسطة: سوسن شرف |

في مشهدٍ يعكس عمق التعقيد والتوتر الذي يحيط بالعلاقات الدولية في الوقت الراهن، خرجت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا بتصريحات لافتة حول إمكانية استعادة العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، لتؤكد ما بات يدركه المراقبون منذ فترة طويلة: أن الطريق بين موسكو وواشنطن ليس مفروشًا بالورود، وأن استعادة الثقة المفقودة ليس بالأمر الهيّن ولا القريب.

زاخاروفا التي تحدثت إلى وكالة "تاس" الروسية الرسمية لم تحاول تجميل الواقع أو تخفيف حدّته، بل صرّحت بصراحة نادرة أن "استعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ليست بالأمر السهل"، لكنها في الوقت ذاته لم تُغلق الباب تمامًا، مشيرة إلى أن هناك جهودًا تُبذل، ومحاولات جارية لإعادة الاتصالات بين الطرفين ولو على مستويات محدودة، وأكدت أن الاتصالات بين البلدين التي انقطعت بشكل شبه كامل في مراحل سابقة بدأت تستعيد بعضاً من توازنها، لكن المهمة ليست سهلة على الإطلاق والمسارات التي تسير عليها هذه الاتصالات ما زالت محدودة وشائكة.

التصريحات تأتي في وقت حسّاس تزامناً مع مواقف أميركية لافتة صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال صراحة إن روسيا قدّمت ما وصفه بـ"تنازل رائع" في إطار محاولات إنهاء الحرب في أوكرانيا، حين توقفت عن السعي للسيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، تصريحات ترامب هذه، وإن جاءت في سياق حملته السياسية، فإنها تعكس تحولاً في خطاب بعض الدوائر الغربية التي بدأت تدرك أن الحسم في ساحة المعركة قد لا يكون ممكناً، وأن التسوية السياسية قد تكون الخيار الوحيد للخروج من هذا المأزق المعقّد.

ترامب الذي لطالما تبنّى مواقف أكثر مرونة تجاه روسيا، ذهب أبعد من ذلك في تصريحه، حيث أكد أن موسكو لا تشكّل اليوم عائقاً أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، معبّراً عن تفاؤله بأن روسيا، وأوكرانيا وأوروبا يمكن أن توافق على شروط تسوية مرتقبة، وأوضح في حديثه خلال اجتماع مع رئيس الوزراء النرويجي في البيت الأبيض، أن لديه قناعة بأن جميع الأطراف ستقبل في النهاية بتلك الشروط، وأن هذه الأزمة يمكن أن تنتهي قريبًا إذا توفّرت الإرادة السياسية الكافية.

لكن اللافت في تصريحات ترامب أيضاً كان موقفه من شبه جزيرة القرم التي رأى أن استعادتها من قبل كييف ستكون "شبه مستحيلة" دون إطلاق رصاصة واحدة، وهو تصريح يعكس قبولاً ضمنيًا بواقع الضم الروسي للقرم، الذي لا يزال نقطة نزاع دولية كبيرة، ويضع علامات استفهام حول مستقبل وحدة الأراضي الأوكرانية في أي تسوية قادمة.

في ظل هذه التطورات يصبح من الواضح أن الحديث عن استعادة العلاقات الروسية الأميركية لا يدور فقط في إطار ديبلوماسي بحت بل يتأثر بشكل كبير بخارطة النزاعات الجيوسياسية، وعلى رأسها الملف الأوكراني، كما أن المواقف المتباينة داخل الإدارة الأميركية، وبين الحلفاء الأوروبيين، تخلق مشهداً ضبابيًا يجعل من الصعب التنبؤ بما إذا كانت موسكو وواشنطن ستنجحان فعلًا في تخطّي حواجز الشك والعداء التاريخي.

الجهود مستمرة كما تقول زاخاروفا لكن النجاح في إعادة بناء هذه العلاقة يتطلب قرارات كبرى، وربما تنازلات متبادلة يصعب تصورها في الوقت الراهن، وبين تصريحات موسكو المتحفظة وتفاؤل ترامب المفرط تبقى العلاقة بين القطبين الدوليين محكومة بمفردات الحذر، والعقد السياسية، والتوازنات الدولية التي لا تزال تميل إلى التأزم أكثر من الانفراج.