فون دير لاين: انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي
فون دير لاين: انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي "أعظم ضمان للسلام" ودعوات لمفاوضات جوهرية
كتب بواسطة: رضا سمكي |

في خطاب يُعد من أبرز مواقف الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة الأوكرانية، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اليوم الأربعاء، إلى فتح "مفاوضات جوهرية" مع أوكرانيا بشأن انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قبل نهاية العام الجاري، مؤكدة أن هذا المسار يمثل إحدى ركائز أمن أوروبا واستقرارها في مواجهة الحرب الدائرة.

وجاءت تصريحات فون دير لاين خلال جلسة نقاش عامة في البرلمان الأوروبي خُصصت لمراجعة دور الاتحاد في دعم "سلام عادل، شامل، ودائم" في أوكرانيا، في ضوء استمرار العمليات العسكرية بين موسكو وكييف، والدعم الأوروبي المتواصل للجانب الأوكراني، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وفي كلمتها أمام النواب الأوروبيين، قالت فون دير لاين: "علينا أن نُسرّع مسار أوكرانيا نحو العضوية في اتحادنا، هذا ليس مجرد طموح أوكراني، بل يمكن أن يكون الضمان الأقوى للأمن في أوروبا"، وأضافت: "نحن نعمل بدأب مع أوكرانيا لفتح أول فصل من مفاوضات الانضمام خلال هذا العام، ونأمل أن نفتح جميع الفصول خلال 2025".

واعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أن "انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون أعظم ضمان لسلام عادل ودائم، ليس فقط لأوكرانيا ولكن لأوروبا بأسرها"، مشيرة إلى أن الملف الأوكراني يحتل أولوية قصوى في جدول أعمال المفوضية خلال الفترة المقبلة، والموقف الأوروبي الجديد يأتي في ظل ضغوط مستمرة من جانب الحكومة الأوكرانية، التي تطالب بروكسل بوضع جدول زمني واضح لمسار انضمامها إلى التكتل، لا سيما بعد منحها وضع "الدولة المرشحة" رسمياً في يونيو 2022.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد طالب في عدة مناسبات بتسريع خطوات انضمام بلاده، معتبراً أن ذلك "جزء من المعركة من أجل البقاء"، ومؤكداً أن كييف تعمل على تنفيذ الإصلاحات اللازمة وفق متطلبات المفوضية الأوروبية، وفي المقابل، تواصل الدول الأعضاء في الاتحاد مراقبة وتقييم أداء أوكرانيا على صعيد الحكم الرشيد، واستقلال القضاء، ومكافحة الفساد، إلى جانب التزامها بمعايير السوق الموحدة، وهي شروط أساسية للانضمام.

ورغم تأييد غالبية دول الاتحاد للمسار الأوروبي لكييف، إلا أن بعض القادة لا يزالون متحفظين تجاه خطوات الانضمام المتسارعة، ويبرز في هذا السياق موقف رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، الذي وصف أوكرانيا مراراً بأنها "غير مؤهلة بعد" للانضمام، محذراً من أن انضمامها السريع سيكون عبئاً اقتصادياً وسياسياً على التكتل الأوروبي، ويستند المعارضون إلى واقع الحرب المستمرة، وحالة الاقتصاد الأوكراني المتدهور، فضلاً عن التحديات المؤسسية التي تعاني منها كييف، معتبرين أن أي خطوة متهورة قد تُقوض استقرار الاتحاد ذاته.

ورداً على هذه المخاوف، شددت فون دير لاين على أن المفوضية "لن تتخلى عن معاييرها"، لكنها أكدت في الوقت ذاته أن "الحرب لم تمنع أوكرانيا من إحراز تقدم كبير في الإصلاحات"، مشيدة بـ"صمود الدولة الأوكرانية ومؤسساتها في أصعب الظروف"، وتزامناً مع الملف الأوروبي، واصلت فون دير لاين تأكيد التزام الاتحاد بدعم كييف في مواجهة روسيا، معتبرة أن الدعم العسكري لا يزال "أداة ضرورية" لتحقيق السلام على المدى البعيد، وأشارت إلى أن أولويات أوروبا الحالية تتمثل في ثلاث مهام رئيسية: دعم أوكرانيا عسكرياً، وتسريع فك ارتباط أوروبا بالطاقة الروسية، وتسريع مفاوضات انضمام أوكرانيا.

وفي هذا السياق، شددت على ضرورة "تجفيف مصادر تمويل روسيا للحرب"، في إشارة إلى تسريع خطوات التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري الروسي، وهو ما يعكس السياسة الأوروبية المستمرة منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، وفي المقابل، وعلى الرغم من معارضة موسكو الشديدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإن موقفها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أقل حدة، وإن كانت تعتبره "غير محايد" في النزاع القائم، وكان الكرملين قد حذر مراراً من أن انضمام أوكرانيا إلى أي تكتل غربي -سياسيًا أو عسكريًا- يُشكل تهديداً مباشراً للأمن الروسي، ووسّع على إثره عملياته العسكرية ضد كييف.

وفي الوقت نفسه، تؤكد روسيا أن تقديم المساعدات العسكرية الأوروبية لأوكرانيا "يُطيل أمد النزاع" ويجعل السلام "أبعد منالاً"، ما يعكس الفجوة العميقة بين الطرفين حول سبل إنهاء الحرب، وكانت أوكرانيا قد تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في فبراير 2022، بعد أيام فقط من بدء الغزو الروسي، وهو ما فتح الباب أمام نقاشات داخلية معقدة في بروكسل، وفي يونيو من العام ذاته، وافق المجلس الأوروبي بالإجماع على منح كييف صفة "المرشح الرسمي"، في خطوة تاريخية وُصفت بأنها "تحول جذري" في سياسة التوسع الأوروبية.

ومنذ ذلك الحين، كثفت المفوضية من دعمها السياسي والفني لمساعدة كييف على استيفاء الشروط المطلوبة، بما في ذلك تقديم تقارير دورية حول التقدم المحرز، وتوفير مساعدات مالية كبرى لدعم الاقتصاد الأوكراني، ورغم الزخم السياسي الذي أضفته تصريحات فون دير لاين، إلا أن الطريق نحو انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي لا يزال طويلاً ومعقداً، خاصة في ظل استمرار الحرب وتباين مواقف الدول الأعضاء.

ويبقى السؤال المطروح في بروكسل اليوم: هل ينجح الاتحاد في تجاوز خلافاته الداخلية، وفتح فصول التفاوض الجدية مع كييف هذا العام، كما تطمح المفوضية؟ أم أن الاعتبارات السياسية والاقتصادية ستؤجل الحسم مرة أخرى؟