في خطوة جديدة تعكس تصاعد الاهتمام العسكري في كوريا الشمالية، أمر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون برفع إنتاج الذخائر في البلاد إلى مستويات قياسية، تجاوزت أربعة أضعاف المتوسط السنوي المعتاد، وضِعف أعلى مستوى إنتاج سُجل في السابق، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية يوم الأربعاء، وخلال جولة ميدانية شملت مصانع تابعة للجنة الاقتصادية الثانية المسؤولة عن الصناعات العسكرية، تفقد كيم مرافق تصنيع الذخائر وأشرف شخصيًا على عمليات الإنتاج، مؤكداً أن بلاده ماضية في تنفيذ استراتيجية تسليح موسعة، تهدف إلى تعزيز القدرات القتالية للجيش، ورفع جاهزيته لمواجهة أي تهديد محتمل.
وقال كيم، بحسب ما نقلته الوكالة الرسمية، إن "تعزيز قوة المدفعية يمثل عاملاً حاسماً في تحسين الكفاءة القتالية للجيش الكوري الشمالي"، مشدداً على أن رفع الإنتاج إلى هذا الحدّ ليس مجرد إجراء فني أو صناعي، بل هو "خطوة استراتيجية ضمن خطة الحزب لتعزيز القوة الدفاعية الوطنية"، والزيارة التفقدية تأتي في سياق سلسلة من التحركات التي تعكس تصعيداً تدريجياً في استعدادات كوريا الشمالية العسكرية، وسط أجواء توتر إقليمي متزايد، خاصة في ظل المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في المنطقة، والتي تعتبرها بيونغ يانغ تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
وأكدت الوكالة أن الزعيم الكوري أبدى "رضاه الكبير" عن التطور التقني الذي شهده المصنع الذي تفقده، مشيراً إلى أن تحديث المرافق بلغ "مستوى عالياً"، وأن القدرة الإنتاجية تنمو بوتيرة غير مسبوقة، ما يعزز قدرة البلاد على تلبية متطلبات الدفاع في وقت قصير، وتشير مضامين التصريحات الصادرة عن كيم إلى أن كوريا الشمالية تسعى لتقليص الفجوة بين قدراتها الصناعية والعسكرية، وذلك من خلال الاستثمار في تحديث الماكينات والمصانع، وإعادة بناء سلسلة التوريد الصناعية لدعم الإنتاج الدفاعي.
وشملت جولة كيم أيضاً زيارة إلى مصنع للآلات ناقش خلالها خطط التحديث والتطوير طويل الأمد، حيث شدد على ضرورة تحويل المصنع إلى "نموذج صناعي محوري" لدعم نهضة الصناعة الدفاعية في البلاد، ودعا إلى تصميم معدات بناء آلات تتمتع بمستويات عالية من الذكاء، والسرعة، والدقة، وتعدد الوظائف، مؤكداً أن هذه المعدات لن تقتصر على دعم إنتاج الذخائر فحسب، بل ستُسهم أيضاً في تحسين قطاعات اقتصادية أخرى، وتعكس هذه التصريحات رؤية استراتيجية أوسع للزعيم الكوري، الذي يبدو أنه يسعى إلى تحقيق توازن بين التصعيد العسكري من جهة، وتحديث القطاع الصناعي من جهة أخرى، بما يخدم الأهداف الاقتصادية والدفاعية معاً، في ظل العقوبات الدولية المفروضة على بلاده.
وتأتي هذه التطورات في وقت حسّاس تشهده شبه الجزيرة الكورية، وسط توتر متصاعد بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، بدعم من الولايات المتحدة، وقد شهدت الشهور الأخيرة مناورات بحرية وجوية واسعة النطاق بين سيول وواشنطن، أثارت استياء بيونغ يانغ، التي اعتبرتها بمثابة "بروفة لغزو محتمل"، ويبدو أن كوريا الشمالية تسعى، من خلال هذه الرسائل، إلى التأكيد على أنها قادرة على تعزيز قدراتها العسكرية دون الاعتماد على الخارج، بل وبالإمكان تحقيق ذلك من خلال تطوير صناعتها الوطنية، وإعادة تنظيم منشآتها الدفاعية بشكل داخلي، رغم العزلة الدولية التي تعاني منها.
وفي سياق متصل، أعلنت بيونغ يانغ مؤخراً عن إجراء أول اختبار لأنظمة الأسلحة الرئيسية على متن مدمرة بحرية جديدة تحمل اسم "تشوي هيون"، وذلك خلال مناورات بحرية أجريت يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، واعتبرت الأوساط التحليلية أن هذه الخطوة تمثل استعراضاً نوعياً للقوة البحرية لكوريا الشمالية، في وقت تزداد فيه التحديات في المحيط الإقليمي، ويرى محللون أن دعوة كيم إلى رفع إنتاج الذخائر بهذا الشكل اللافت تهدف إلى إرسال رسالة مزدوجة: الأولى داخلية تتعلق بتعزيز الثقة في القيادة وتماسك الجبهة الداخلية، والثانية خارجية، توجّه إلى خصوم كوريا الشمالية في الإقليم، مفادها أن البلاد مستعدة لأي مواجهة، وقادرة على تسريع وتيرة تسليح جيشها بشكل مستقل.
ويُرجّح أن تثير هذه التحركات قلقاً متزايداً لدى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، خاصة إذا ترافقت مع اختبارات صاروخية جديدة، أو خطوات تصعيدية في المجال النووي، وهو ما قد يعيد إشعال الجدل داخل مجلس الأمن الدولي بشأن سبل التعامل مع كوريا الشمالية، وفي ظل الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية المفروضة على كوريا الشمالية، يبدو أن بيونغ يانغ تراهن على الصناعات الدفاعية كسلاح مزدوج: يحمي الحدود ويعزز أوراق الضغط في المفاوضات الدولية، وبينما تتزايد الدعوات الدولية للتهدئة، تمضي كوريا الشمالية في مسارها المعاكس، مشدّدة على أن أمنها لن يكون قابلاً للتفاوض، وأن تعزيز قدراتها العسكرية هو خيار وجودي لا رجعة فيه.
وهكذا، يترسّخ في الأفق مشهد معقّد تقوده التحركات الأحادية والردود المتبادلة، ويبدو أن أي حلّ دبلوماسي سيتطلب أكثر من مجرد بيانات إدانة أو عقوبات اقتصادية، بل رؤية شاملة تعالج جذور التوتر في شبه الجزيرة الكورية وتوازن بين المصالح الأمنية لجميع الأطراف.