تعيش مدينة جنين في الضفة الغربية على وقع دمار هائل، نتيجة لحملة عسكرية إسرائيلية واسعة بدأت في يناير الماضي، وما زالت مستمرة حتى اليوم، ما شهدته المدينة من عمليات هدم وتدمير لمنازلها، وتحطيم لشوارعها وطرقاتها، لم يكن مجرد حرب على المباني، بل كان تجسيدًا لمعاناة شعبٍ تحت وطأة الاحتلال.
المشهد في جنين اليوم لا يختلف كثيرًا عن ذلك الذي شهدته غزة في فترات سابقة، إذ تحولت العديد من المناطق إلى أشلاء من البنايات المدمرة، والأنقاض التي تكدست في شوارع المدينة، بينما اختفت الحياة التي كانت تشهدها أحياؤها المكتظة بالسكان، مدينة جنين التي كانت في وقتٍ قريبٍ من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في الضفة الغربية، أصبح اليوم من النادر أن تجد فيها أحدًا.
كانت أحياء المدينة التي يقطنها أكثر من عشرة آلاف نسمة، تعج بالحركة والنشاط. اليوم، خلت تلك الأحياء من سكانها، وسُدت الطرق المؤدية إليها بتلالٍ ترابية كبيرة، بينما كانت أكوام الأنقاض المبعثرة على جوانب الطرق شاهدةً على مدى العنف الذي رافق العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وسائل الإعلام الدولية، مثل صحيفة "نيويورك تايمز"، وصفت المدينة بأنها تحولت إلى "مدينة أشباح" بعد أن تعرضت لهذا الكم الهائل من الدمار، أما سياسة الهدم الإسرائيلية، فلم تقتصر على جنين فقط، بل امتدت إلى مدينة طولكرم القريبة، هذه الحملة العسكرية لا تقتصر على تدمير المنازل فحسب بل تشمل أيضًا منع الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم وأحيائهم، وهو ما يثير مخاوف جدية بشأن مصير آلاف الفلسطينيين في المستقبل.
تزايد هذا النوع من الهدم يعكس توسعًا في سياسة الاحتلال بهدف ترسيخ السيطرة على الأراضي الفلسطينية بشكل أعمق، في ظل ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخرًا عن خطط جديدة لهدم المزيد من المنازل في طولكرم، بدعوى تسهيل حركة قواته داخل المدينة ومنع تجدد النشاطات المسلحة.
هذه الخطوات تكشف عن حقيقة مريرة؛ أن هناك محاولات ممنهجة لتقليص وجود الفلسطينيين في مناطقهم وتوسيع نطاق السيطرة الإسرائيلية، فيما يخص السكان المحليين، فإن مشاعر اليأس والإحباط تسيطر على كثير منهم، خاصةً الشباب الذين يرون مستقبلهم يتبدد مع كل عملية هدم جديدة.
معاذ عمارنة طالب جامعي من طولكرم، عبر عن هذا الشعور قائلاً: "إنهم يسلبون مستقبلي"، هذه الكلمات تعكس حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون، الذين لا يستطيعون أن يتصوروا مستقبلًا ثابتًا أو آمنًا في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة عليهم.
على الرغم من أن العمليات العسكرية في الضفة الغربية ليست جديدة، إلا أن ما يميز الحملة الحالية هو طول فترة وجود الجيش الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية، في الماضي كانت القوات الإسرائيلية تنسحب بسرعة بعد تنفيذ عملياتها العسكرية، لكن في هذا الهجوم الأخير، استمر الاحتلال في وجوده بشكل غير مسبوق في قلب المدن الفلسطينية.
هذا التواجد المستمر يعكس تحولًا استراتيجيًا نحو ترسيخ السيطرة العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بشكل دائم، ومع استمرار هذه الحملة العسكرية، يظل تساؤل كبير مطروحًا حول طبيعة السيطرة الإسرائيلية في المستقبل وتأثير ذلك على الحياة اليومية للفلسطينيين.
هل سيستمر هذا الوضع؟ أم أن هناك محاولات دولية لتحقيق تسوية تضع حدًا لهذه الحملة؟ الأمر الذي يبدو واضحًا حتى الآن هو أن الفلسطينيين سيظلون يعيشون في ظل هذا الهجوم المستمر على أرضهم، بينما تتزايد معاناتهم.