قبل أربع جولات فقط على نهاية الدوري الإسباني لهذا الموسم، تتجه أنظار عشاق كرة القدم في العالم صوب المنافسة النارية بين ريال مدريد وغريمه التاريخي برشلونة، في سباق محموم على لقب "الليجا" الذي يبدو أن نهايته ستكون أكثر إثارة من أي وقت مضى، وبعد فوزه الصعب والمثير على سيلتا فيجو بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدفين في الجولة الرابعة والثلاثين، جدّد ريال مدريد آماله في انتزاع اللقب، لكنه في ذات الوقت أصبح أمام حسبة معقدة تعتمد على سيناريوهات متشابكة، لا يكفي فيها الفوز وحده، بل تتطلب تعثرًا مباشرًا من المنافس الكتالوني.
كما أن انتصار ريال مدريد في المباراة الأخيرة جاء على أرضه وبين جماهيره في ملعب سانتياجو برنابيو، وشهد تألقًا لافتًا من النجم الفرنسي كيليان مبابي، الذي سجل ثنائية ساهمت في حسم المواجهة الصعبة ضد سيلتا فيجو، ليرفع الفريق الملكي رصيده إلى 75 نقطة، مقلصًا الفارق إلى أربع نقاط فقط خلف المتصدر برشلونة، وفي ظل هذا الترتيب، أصبحت المواجهة المقبلة بين الطرفين، والتي ستُقام على ملعب مونتجويك في كتالونيا، محطة محورية في تحديد ملامح البطل.
والجولة القادمة من الدوري الإسباني ستحمل على عاتقها واحدة من أكثر المباريات انتظارًا حول العالم، وهي "كلاسيكو الأرض" بين ريال مدريد وبرشلونة، الذي يُتوقع أن يكون بمثابة نهائي مبكر، نظرًا إلى تأثيره المباشر على ترتيب الفريقين، وفوز ريال مدريد في هذه المباراة سيقلص الفارق إلى نقطة واحدة فقط، الأمر الذي من شأنه أن يُشعل الجولات الثلاث المتبقية، ويفرض ضغطًا نفسيًا وبدنيًا كبيرًا على برشلونة.
لكن حسابات التتويج لا تتوقف عند الفوز بالكلاسيكو فقط، إذ تتضمن ثلاثة سيناريوهات رئيسية تضمن لريال مدريد الفوز باللقب، وتُظهر في الوقت نفسه هشاشة موقفه إذا لم تتحقق شروط دقيقة، والسيناريو الأول يتمثل في أن يحقق ريال مدريد الفوز في جميع مبارياته الأربع المتبقية، وهو ما يعني حصد العلامة الكاملة البالغة 12 نقطة، على أمل أن يتعثر برشلونة في إحدى مبارياته المتبقية، سواء بالتعادل أو الخسارة، وفي هذه الحالة، سيُتوج ريال مدريد باللقب بفارق النقاط، وهو الطريق الأكثر وضوحًا أمام الفريق الملكي.
والسيناريو الثاني هو الأصعب من الناحية النفسية، حيث يرتبط بحقيقة أن الفوز بجميع المباريات لا يضمن التتويج باللقب، إذا ما واصل برشلونة أيضًا انتصاراته دون تعثر، فإذا نجح الفريق الكتالوني في الفوز بجميع مبارياته الأربعة، حتى بعد الخسارة المحتملة أمام ريال مدريد، سيظل هو المتصدر بفارق نقطة واحدة، وهو ما يحتم على جماهير الملكي متابعة مباريات برشلونة بعين القلق والرجاء في آنٍ واحد، انتظارًا لتعثر طال انتظاره.
أما السيناريو الثالث فهو الأكثر حساسية، ويتعلق بإمكانية تساوي الفريقين في عدد النقاط مع نهاية الموسم، وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلى نتائج المواجهات المباشرة بينهما لحسم اللقب، وهنا تكمن العقبة الأبرز لريال مدريد، إذ خسر الفريق أمام برشلونة بنتيجة ثقيلة 0-4 في مباراة الذهاب التي أُقيمت في ملعب سانتياجو برنابيو، وهذه النتيجة تمنح برشلونة أفضلية المواجهات المباشرة، ما يعني أن التعادل في عدد النقاط لن يكون في مصلحة ريال مدريد، ويجعل الفوز في الكلاسيكو القادم ضروريًا لكنه غير كافٍ.
ومع أن ريال مدريد اعتاد على القتال حتى اللحظة الأخيرة، فإن الأمر هذا الموسم يبدو مختلفًا قليلًا بسبب حساسية المرحلة وتداخل الظروف النفسية والتكتيكية، والفريق يمتلك خبرات كبيرة في حسم المعارك الكبرى، لكنه يدرك أن تركيزه يجب ألا يكون على انتصاراته فحسب، بل على ما سيقدمه خصمه أيضًا، فالفوز بالكلاسيكو هو مطلب أساسي، لكنه لن يُتوّج الفريق باللقب ما لم تترافق معه نتائج إيجابية من الفرق الأخرى التي ستواجه برشلونة في الجولات المتبقية.
وفي الوقت ذاته، يظهر دور كيليان مبابي المتزايد كأحد أهم عوامل قوة ريال مدريد في المرحلة الحالية، إذ أثبت اللاعب الفرنسي قيمته الفنية العالية في المباريات الكبرى، وأصبح يشكّل تهديدًا حقيقيًا لدفاعات الخصوم، خصوصًا مع انسجامه المتسارع مع أسلوب لعب الفريق، وتنتظر منه الجماهير الكثير في الكلاسيكو، خاصةً في ظل الرهانات الكبيرة على هذه المواجهة لتحديد ملامح البطل.
ومع اقتراب الموسم من نهايته، تبدو الليجا في واحدة من أكثر لحظاتها إثارة خلال السنوات الأخيرة، حيث لم يعد الحديث مقتصرًا على الأداء الفني داخل الملعب، بل تعداه إلى سيناريوهات رياضية معقدة، تُبقي الترقب قائمًا حتى الدقيقة الأخيرة من الجولة الثامنة والثلاثين، وبين طموح مشروع لريال مدريد واستفاقة متأخرة تأملها جماهيره، وبين رغبة برشلونة في الحفاظ على تقدمه وتأكيد جدارته، يبدو المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات.