في تصعيد جديد يعكس تزايد التوترات الإقليمية، حذر وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، من أن بلاده سترد "بقوة ودون قيود" إذا تعرضت لأي هجوم من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن القواعد الأمريكية في المنطقة ستكون "أهدافاً مشروعة" في حال اندلاع مواجهة مباشرة، ويأتي هذا التهديد في ظل موجة من التصريحات التصعيدية المتبادلة بين طهران وتل أبيب، على خلفية الهجوم الصاروخي الذي تبنته جماعة الحوثي اليمنية على محيط مطار بن غوريون الإسرائيلي، والذي رُبط مباشرة بالدعم الإيراني المزعوم للجماعة.
وقال نصير زاده، في تصريحات بثها التلفزيون الإيراني الرسمي صباح الأحد، إن بلاده "لا تبحث عن الحرب، لكنها مستعدة لها"، مضيفاً: "إذا فُرضت علينا الحرب أو تمت مهاجمتنا، فسنرد بقوة ودون أي قيود... القواعد الأمريكية أهداف لنا أينما كانت، وفي الوقت الذي نراه ضرورياً إذا تعرضنا لأي اعتداء من قبل أمريكا أو إسرائيل"، وأضاف أن "المنطقة برمتها ستشتعل إذا تمادت إسرائيل في تهديداتها أو نفذت عدواناً مباشراً".
وجاءت تصريحات الوزير الإيراني بعد تغريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة "إكس"، قال فيها: "سنرد على ضربات الحوثيين في الوقت والمكان المناسبين"، مضيفاً: "الرئيس دونالد ترمب محق تماماً! هجمات الحوثيين مصدرها إيران"، في إشارة مباشرة إلى اتهام طهران برعاية الجماعات المسلحة التي تستهدف إسرائيل من خارج حدودها.
ومن جهته، دعا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، وزعيم حزب "الوحدة الوطنية" بيني غانتس، إلى توجيه ضربة مباشرة لإيران رداً على الهجوم الحوثي، قائلاً في بيان له الأحد: "كفى سياسة الردود المحدودة، إيران هي من تقف خلف كل تهديد يطال إسرائيل من الشمال إلى الجنوب، ويجب ضربها في العمق".
وكانت إسرائيل قد أعلنت أن صاروخاً أُطلق من اليمن سقط بالقرب من مطار بن غوريون في ضواحي تل أبيب، ما أثار حالة من الهلع بين الركاب والعاملين داخل المطار، وأظهرت مقاطع مصورة فرار العشرات نحو الغرف الآمنة فور سماع صفارات الإنذار، وقال الجيش الإسرائيلي إنه يحقق في طبيعة المقذوف، وإن أضراره كانت محدودة، بينما أكد مسؤولون في الإسعاف عدم تسجيل إصابات خطيرة، مع نقل رجل وامرأة إلى المستشفى بإصابات طفيفة، وعلاج اثنين في الموقع نتيجة تعرضهما لحالة هلع.
وتزامن الهجوم مع إعلان الحوثيين تبنيهم للعملية، مؤكدين عبر بيان رسمي أنهم استهدفوا مطار بن غوريون بصاروخ باليستي "فرط صوتي"، في تطور يُعد الأول من نوعه من حيث نوعية السلاح المستخدم والمسافة التي تم قطعها، وأكد البيان عزم الجماعة اليمنية على مواصلة ما وصفته بـ"الرد على العدوان الصهيوني، ودعم الشعب الفلسطيني"، مع التهديد باستهداف الملاحة الدولية في حال استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وفي المقابل، أثار الهجوم تداعيات فورية على حركة الطيران، حيث أعلنت شركة "لوفتهانزا" الألمانية تعليق جميع رحلاتها إلى تل أبيب حتى يوم الثلاثاء على الأقل، مشيرة إلى "الظروف الأمنية غير المستقرة"، كما ألغت شركة "دلتا إير" الأمريكية رحلتها من مطار جون كينيدي إلى تل أبيب، وأعربت عن "متابعة تطورات الوضع لحظة بلحظة بالتنسيق مع السلطات الأمريكية".
ويرى مراقبون أن هذا التطور يعكس اتساع نطاق الحرب غير المباشرة بين إيران وإسرائيل، حيث باتت جبهات القتال لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية أو الحدود الشمالية مع لبنان، بل امتدت إلى العمق الجغرافي لدول مثل اليمن والعراق وسوريا، التي تُتهم فيها طهران بدعم فصائل مسلحة تنفذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه المنطقة حالة من التوتر المتصاعد منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، والتي فتحت الباب أمام سلسلة من المواجهات غير التقليدية بين إسرائيل ومحور المقاومة، الذي يضم إيران وحلفاءها من الجماعات المسلحة في لبنان والعراق واليمن، وتُعد الهجمات الحوثية أحد أبرز أوجه هذه المواجهة، خاصة في ظل قدرتها على تنفيذ ضربات بعيدة المدى، تستهدف مناطق حيوية داخل العمق الإسرائيلي.
ومع تعثر الجهود الدولية لاحتواء التصعيد، خصوصاً في ظل الانقسام داخل مجلس الأمن الدولي حول المسؤوليات الإقليمية، يبدو أن الشرق الأوسط يسير نحو مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة أو شبه المباشرة بين القوى الإقليمية، مما يهدد بمزيد من الانفجار في ملفات متداخلة، أبرزها الحرب في غزة، وأمن الملاحة في البحر الأحمر، واستقرار منطقة الخليج.
ويخشى محللون أن يتحول هذا التراشق الكلامي بين طهران وتل أبيب إلى صدام فعلي، خاصة مع تصاعد الضغوط داخل إسرائيل للرد على إيران بشكل مباشر، ومع إصرار إيران على أنها لن تتردد في الدفاع عن نفسها إن تعرضت لأي عدوان، ويؤكد مراقبون أن أي خطأ في التقدير أو تصعيد غير محسوب قد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة لا تقتصر على طرفي النزاع، بل قد تشمل أطرافاً دولية وإقليمية أخرى.