فخري عودة يُغادر المشهد بعد 60 عامًا من العطاء
رحيل صاحب الصوت الحنون: فخري عودة يُغادر المشهد بعد 60 عامًا من العطاء
كتب بواسطة: رولا نادر |

في مشهد مفعم بالحزن والذكريات، ودّعت الساحة الفنية والإعلامية في الكويت، يوم الثلاثاء الموافق 6 مايو/أيار 2025، أحد رموزها البارزين، الفنان والإعلامي فخري عودة، عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد مسيرة طويلة امتدت لأكثر من ستة عقود، كان خلالها حاضرًا في الذاكرة الكويتية والخليجية بصوته، وصورته، وكلماته، وأدواره المتنوعة.

ولم يكن فخري عودة، الذي وُلد عام 1941 في الكويت، مجرد ممثل أو إعلامي، بل كان شخصية متعددة الأوجه الفنية، عبَر من المسرح إلى التلفزيون، ومن الشاشة إلى الإذاعة، ومن الدراما إلى الطفولة، حاملاً معه حسًا فنيًا عميقًا وتجربة إنسانية نادرة، بدأ مشواره مبكرًا، لكنه لم يكتفِ بالبدايات التقليدية، إذ واصل تعليمه ليتخرج من معهد الفنون المسرحية عام 1982، قسم التمثيل والإخراج، رغم تقدمه في العمر حينها، في خطوة تعكس شغفه الدائم بالتعلم والتطوير.

وأعماله المسرحية شكلت بصمته الأولى، حيث شارك في مسرحيات خالدة مثل "فوضى"، و"الإمبراطورية"، و"البحث عن وظيفة"، كما كان له حضور درامي لافت في المسلسل الأشهر "درب الزلق"، الذي يُعد علامة فارقة في تاريخ الدراما الخليجية، لكن فخري عودة حجز لنفسه مكانًا خاصًا في قلوب الأجيال عبر صوته، حين قدّم الأداء الصوتي لشخصية "علام" في المسلسل الكرتوني الشهير "عدنان ولينا"، إلى جانب كتابته لكلمات الأغنية الشهيرة التي لا تزال تتردد على ألسنة الكبار قبل الصغار.

ولم تكن تجربته محصورة في الفن التمثيلي، بل امتدت إلى الإعلام المكتوب، حيث عمل كصحفي وكاتب في مجال الشعر الشعبي والخواطر، مستخدمًا كلماته للتعبير عن ملامح إنسانية رقيقة طالما ميّزت شخصيته، كما كان له دور في الإعداد والإخراج التلفزيوني، ما جعله شخصية متكاملة داخل المشهد الإعلامي الكويتي، شغل فخري عودة عدة مناصب إدارية في وزارة الإعلام الكويتية، ما أتاح له التأثير في الأجيال الصاعدة من الإعلاميين والفنانين، الذين تعلموا منه الانضباط، والالتزام، والصدق الفني.

وعلى المستوى الإنساني، لم يكن فخري عودة بعيدًا عن الألم الشخصي، فقد واجه تجربة مريرة حين أُصيبت زوجته السيدة "ملك" بشلل رباعي إثر حادث سير بداية التسعينيات، لكن رغم المرض الطويل، ظل مخلصًا لها حتى رحيلها في يوليو 2024، وصرح بعد وفاتها أنه فقد "الأم والأخت والزوجة دفعة واحدة"، في تعبير مؤثر عن عمق العلاقة التي جمعته بزوجته، ومدى وفائه لها حتى آخر لحظة.

وتوفي فخري عودة في منزله بالكويت بعد صراع مع المرض، وشيّعت جنازته بحضور واسع من الفنانين والإعلاميين وأصدقائه ومحبيه، الذين أجمعوا على أن الساحة فقدت أحد أنبل رموزها، وأكثرهم اتزانًا وأصالة، وعبّر عدد من زملائه عن حزنهم لفقدانه، مشيرين إلى أن حضوره كان دائمًا يحمل الطمأنينة والاحترام، سواء في كواليس العمل أو أمام الجمهور،

وتعليقًا على رحيله، كتب أحد زملائه: "فخري لم يكن نجمًا تقليديًا، بل كان مدرسة في الالتزام والرقي، نادرًا ما نجد اليوم فنانًا يكتب ويُمثّل ويُخرج ويُعد ويُخلص بهذه الصورة"، فيما قالت إحدى الإعلاميات ممن زاملوه في التلفزيون الكويتي: "كنا نراه مرجعية فنية، بابتسامته وهدوئه، كان يعلمنا من دون أن يتكلّم كثيرًا".

وتستعيد ذاكرة الجمهور الكويتي والخليجي فخري عودة في مشاهد من الماضي، تُبث عبر أعماله، أو تتجسد في جملته الشهيرة التي ظل يرددها في البرامج واللقاءات: "الفن أمانة، والصدق في الأداء هو البصمة التي تبقى"، فقد رحل فخري عودة، لكن بقي أثره، ليس فقط في الأشرطة القديمة، أو مقالاته الصحفية، بل في القيم التي غرسها في الفن والإعلام: احترام الجمهور، وإعلاء الذوق، وصدق التعبير، وبينما يتوارى جسده، يبقى صوته في ذاكرة الطفولة، وابتسامته في قلوب زملائه، وإرثه في صفحات الفن الكويتي.