يتهيأ الفاتيكان اليوم الأربعاء لحدث تاريخي بالغ الأهمية، يتمثل في انطلاق مجمع انتخاب البابا الجديد، خلفًا للبابا فرنسيس، وسط إجراءات أمنية وتنظيمية دقيقة تهدف إلى ضمان أقصى درجات السرية والخصوصية خلال العملية الانتخابية.
وأوضح الفاتيكان في بيان رسمي صدر اليوم الثلاثاء، أن المجمع المغلق المخصص لانتخاب الحبر الأعظم سيُعقد بمشاركة الكرادلة الذين لم تتجاوز أعمارهم ثمانين عامًا، وفقًا لما تنص عليه القوانين البابوية التي تنظم هذه العملية بالغة الحساسية، ويأتي انعقاد المجمع في وقتٍ تشهد فيه الكنيسة الكاثوليكية مرحلة فارقة تستدعي قيادة جديدة قادرة على مواصلة النهج الإصلاحي ومواجهة التحديات الدينية والإنسانية المعاصرة.
وفي إطار الإجراءات التنظيمية المصاحبة للمجمع، أعلن الفاتيكان عن سلسلة تدابير أمنية وتكنولوجية مشددة، تشمل تعليق جميع الاتصالات السلكية واللاسلكية ابتداءً من الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الأربعاء، كما سيتم تعطيل شبكات الإنترنت والاتصالات المحمولة داخل أراضي دولة الفاتيكان بالكامل، مع تركيب أجهزة تشويش إلكترونية في المناطق المخصصة للمداولات؛ وذلك منعًا لتسرب أي معلومات تتعلق بسير العملية الانتخابية أو المداولات السرية بين الكرادلة.
ووفقًا للبيان، تأتي هذه التدابير الاستثنائية انسجامًا مع المتطلبات التنظيمية الصارمة التي تحكم المجامع المغلقة، والتي تفرض بيئة من العزلة الكاملة لضمان نقاء القرار وخلوه من أي تأثيرات خارجية، سواء كانت إعلامية أو سياسية، كما تهدف الإجراءات إلى المحافظة على الطابع الروحي واللاهوتي للعملية الانتخابية، بوصفها لحظة مفصلية في مسار الكنيسة الكاثوليكية العالمية.
وقد أكد الفاتيكان أن جميع المشاركين في تنظيم المجمع، بمن فيهم مسؤولو المراسم البابوية، وموظفو الفاتيكان، والأطباء، قد أدوا القسم القانوني الذي يُلزمهم بالسرية المطلقة وعدم الإدلاء بأي معلومات تتعلق بالانتخابات، وشددت التعليمات البابوية على حظر استخدام أي أجهزة لتسجيل الصوت أو الصورة داخل القاعات المخصصة للمداولات، وذلك تعزيزًا لمبدأ الانضباط المؤسسي واحترامًا لقدسية الحدث.
ويُذكر أن انتخاب البابا الجديد يتم عبر الاقتراع السري من قبل مجمع الكرادلة، في سلسلة جولات تصويت تُعقد في كنيسة سيستينا الشهيرة داخل الفاتيكان، ويحتاج المرشح الفائز إلى الحصول على ثلثي أصوات الكرادلة المشاركين ليُعلَن اسمه رسميًا كبابا جديد للكنيسة الكاثوليكية، ويتم الإعلان عن انتخاب البابا الجديد عبر إشارة تقليدية تظهر من مدخنة كنيسة سيستينا، حيث يُطلق الدخان الأبيض إيذانًا باتفاق الكرادلة، في حين يشير الدخان الأسود إلى عدم التوصل إلى قرار.
ويترقب الملايين من أتباع الكنيسة الكاثوليكية حول العالم نتائج هذا المجمع، الذي يُعد من أبرز الأحداث الدينية في العالم المسيحي، ولا تقتصر أهمية اختيار البابا الجديد على البعد الروحي فقط، بل تمتد إلى النطاق السياسي والإنساني، حيث يُنظر إلى الحبر الأعظم بوصفه رمزًا عالميًا للسلام والتسامح والحوار بين الأديان.
ومن المتوقع أن يحمل البابا القادم رؤى جديدة لمواصلة الإصلاحات التي بدأها البابا فرنسيس، لا سيما في ما يتعلق بالحوكمة الكنسية، ومكافحة الفساد المالي، وتعزيز الشفافية، إضافة إلى القضايا الاجتماعية والبيئية التي شكلت محاور رئيسية خلال حبريته.
ويؤكد مراقبون أن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات كبيرة في طبيعة الخطاب الكنسي، بما يعكس تطلعات الجيل الجديد من الكرادلة، الذين يميل بعضهم إلى طرح رؤى أكثر انفتاحًا تتناسب مع المتغيرات العالمية، في حين يُصر آخرون على التشبث بالتقاليد الكنسية الأصيلة.