في تطور جديد يُنذر بتصاعد التوتر في الساحة اليمنية، أعلنت جماعة الحوثي أن طائرات أمريكية نفذت تسع غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية في محافظتي الحديدة ومأرب، في واحدة من أعنف الضربات التي تشهدها البلاد منذ مطلع العام الجاري، وبحسب المتحدث العسكري باسم الجماعة، فإن الغارات استهدفت مناطق قرب مطار الحديدة، إلى جانب مواقع عسكرية في مديريات متعددة بمحافظة مأرب شرقي اليمن، مشيرًا إلى أن هذه الغارات "لن تمر دون رد"، ومتهمًا الولايات المتحدة بانتهاك السيادة اليمنية.
وتأتي هذه الضربات ضمن حملة عسكرية متصاعدة تشنها القوات الأمريكية منذ مطلع عام 2024، ردًا على الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي على سفن تجارية وعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومنذ بداية هذه الحملة، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن تنفيذ عشرات الضربات الجوية التي استهدفت مستودعات أسلحة ومنصات إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة، يُعتقد أن الجماعة تستخدمها في عملياتها البحرية ضد السفن التي تزعم أنها "مرتبطة بإسرائيل أو دول تدعم العدوان على غزة".
ورغم الضغوط العسكرية، جددت جماعة الحوثي تأكيدها على المضي قدمًا في ما تسميه "دعم المقاومة"، وقالت إن الضربات الأمريكية لن توقف عملياتها في البحر الأحمر، بل ستزيدها إصرارًا على الاستمرار، معتبرة أن الولايات المتحدة تنفذ أجندة إسرائيلية في المنطقة، كما توعدت الجماعة برد عسكري واسع قد يمتد إلى أهداف إقليمية، في لهجة تصعيدية قد تُعقّد أكثر مساعي التهدئة.
وقد أثارت هذه التطورات ردود فعل دولية متزايدة، وسط قلق عالمي من انعكاسات التصعيد العسكري في اليمن على أمن الملاحة في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، ودعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري للأعمال العدائية، مشددة على أهمية حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب، خصوصًا أن اليمن يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع ملايين الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة.
من جانبها، عبّرت دول الاتحاد الأوروبي عن بالغ قلقها من تصاعد العنف، داعية الأطراف كافة إلى العودة لمسار الحل السياسي وفتح قنوات الحوار، كما حذرت من أن استمرار الغارات والانتهاكات سيفاقم من تدهور الأوضاع الإنسانية، وسيفتح الباب أمام موجات نزوح جديدة وصراعات لا يمكن السيطرة على تبعاتها بسهولة.
ويرى مراقبون أن عودة الضربات الأمريكية المكثفة، خاصة في مناطق مأهولة مثل الحديدة ومأرب، قد تمهّد لجولة جديدة من المواجهات الواسعة في اليمن، وذلك بعد فترة من الهدوء النسبي الذي ساد خلال الشهور الماضية، ويشير محللون إلى أن هذه التحركات تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتقاطع مع التوترات الإقليمية المتصاعدة بين واشنطن وطهران، واستمرار الحرب في قطاع غزة، ما يجعل اليمن ساحة مفتوحة لتبادل الرسائل بين القوى المتصارعة.
وتُعد محافظتا الحديدة ومأرب من أكثر المناطق استراتيجية في المشهد اليمني؛ فالحديدة تطل على البحر الأحمر وتشكل شريانًا بحريًا بالغ الأهمية، فيما تُعتبر مأرب أحد أبرز مراكز إنتاج الطاقة وآخر معاقل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، واستهداف هذه المناطق يعكس حجم الرهان الأمريكي على كبح قدرات الحوثيين، بالتوازي مع مساعي واشنطن لتأمين الملاحة الدولية، إلا أن هذه الخطوات قد تُنتج مفعولًا عكسيًا إذا دفعت الحوثيين نحو مزيد من التشدد وعرقلة أي محاولة لإحياء مسار التسوية السياسية.
ووفق مصادر محلية، فقد أسفرت الغارات الأخيرة عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، بينهم مدنيون، إلى جانب أضرار جسيمة في عدد من المنشآت السكنية والمرافق الخدمية، ما أثار حالة من الهلع في أوساط السكان، خصوصًا في المناطق القريبة من مواقع القصف، وتحدث شهود عيان عن انفجارات عنيفة هزّت المناطق المستهدفة، وسط نقص في الخدمات الصحية والإغاثية.
منظمات إغاثة دولية أطلقت بدورها تحذيرات من أن استمرار الضربات العسكرية قد يؤدي إلى توقف عمليات توزيع المساعدات، ويعرض حياة آلاف العائلات للخطر، لا سيما في ظل محدودية الموارد وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق المتضررة، وتشير التقديرات إلى أن أي تصعيد جديد قد يضاعف من معاناة السكان ويؤدي إلى كارثة إنسانية يصعب احتواؤها.
وفي ظل كل هذه التطورات، يبقى المشهد اليمني معلقًا على خيط رفيع، بين استمرار التصعيد واحتمالات الحل، وسط مخاوف من أن تتحول الضربات العسكرية إلى شرارة لحرب أوسع، لن تقف حدودها عند اليمن، بل قد تمتد لتشمل المنطقة بأكملها، ما لم يتم تدارك الموقف سريعًا عبر تحركات دبلوماسية جادة تضع حدًا لهذا الانفجار المتصاعد.