في تأكيد جديد على مكانتها الدولية المتنامية ودورها القيادي في تعزيز الحوار العالمي، أعلنت المملكة العربية السعودية عن استضافتها لاجتماع قادة مؤتمر ميونخ للأمن (MSC Leaders Meeting) في محافظة العُلا خلال الربع الأخير من عام 2025، وتأتي هذه الخطوة في سياق حرص المملكة على أن تكون شريكاً فاعلاً في صناعة القرار الدولي، خاصة في مجالي الأمن والسياسة.
وجرى الإعلان عن الاستضافة خلال فعاليات الاجتماع التحضيري لمؤتمر ميونخ الذي عُقد في العاصمة الأمريكية واشنطن، في الفترة ما بين 5 و7 مايو الجاري، بمشاركة رفيعة المستوى من مختلف دول العالم، حيث مثّل المملكة في هذا الحدث الأمير الدكتور عبدالله بن خالد بن سعود الكبير، مساعد مدير عام الإدارة العامة لتخطيط السياسات بوزارة الخارجية.
اختيار محافظة العُلا، الواقعة شمال غربي المملكة، لعقد هذا الحدث الدولي البارز ليس محض مصادفة، إذ باتت المنطقة رمزًا للسلام والحوار بين الحضارات، بما تمتلكه من إرث ثقافي عميق ومكانة استراتيجية عالمية، وسبق أن استضافت العُلا عدداً من الاجتماعات الإقليمية والدولية، من بينها قمة مجلس التعاون الخليجي في يناير 2021، ما يعزز من موقعها كمركز دبلوماسي ناشئ.
وتُعد استضافة اجتماع قادة مؤتمر ميونخ للأمن امتداداً لجهود المملكة المتواصلة نحو دعم السلم والاستقرار الإقليمي والدولي، وتأكيداً على مكانتها كقوة سياسية تسعى إلى إرساء الأمن العالمي عبر الوسائل السلمية والحوار المتعدد الأطراف.
خلال الاجتماع الذي عُقد في واشنطن، التقى الأمير عبدالله بن خالد بن سعود الكبير بالرئيس التنفيذي لمؤتمر ميونخ للأمن الدكتور بنديكت فرانك، الذي أعرب عن عميق شكره وامتنانه للمملكة على استضافتها لهذا الاجتماع رفيع المستوى، مشيراً إلى أهمية الحدث في ظل التحديات الأمنية العالمية المتصاعدة، ومرحباً بالتعاون المستمر مع المملكة في تعزيز سُبل الحوار والتفاهم الدولي.
وأشاد فرانك بدور السعودية المتنامي في دعم الاستقرار، خاصة في ظل المبادرات السياسية والأمنية التي تبنتها المملكة في ملفات إقليمية ودولية معقدة، مؤكداً أن اختيارها لعقد هذا الاجتماع يعكس الاحترام الدولي لمواقفها المتوازنة ورؤيتها الشاملة في معالجة القضايا الأمنية.
من جانبه، جدد الأمير عبدالله التزام المملكة الراسخ بدعم الأمن والسلم الدوليين، مشدداً على أهمية تعزيز الحوار المتعدد الأطراف باعتباره الركيزة الأهم في منع النزاعات وبناء جسور الثقة بين الدول، وأضاف أن السعودية ستبذل أقصى جهودها لضمان نجاح الاجتماع المنتظر، من حيث التنظيم والمخرجات.
يُعتبر مؤتمر ميونخ للأمن من أبرز المنصات الدولية المعنية بالشؤون الأمنية والسياسية على مستوى العالم، وقد انطلق لأول مرة عام 1963، ومنذ ذلك الحين تحول إلى منتدى سنوي يجمع كبار القادة والخبراء من مختلف أنحاء العالم لبحث قضايا الأمن الدولي والاستراتيجيات الجيوسياسية.
ويُركز المؤتمر على مناقشة القضايا المعاصرة مثل التهديدات السيبرانية، وانتشار الأسلحة، وتغير التحالفات الإقليمية، إضافة إلى تحديات الطاقة والتغير المناخي من زاوية الأمن العالمي.
وتنظم لجنة المؤتمر بين الحين والآخر اجتماعات قادة (MSC Leaders Meetings) في مناطق مختلفة من العالم، تُخصص لبحث ملفات إقليمية عاجلة ضمن سياق دولي أوسع، وتأتي استضافة السعودية لهذا النوع من الاجتماعات كدليل على الثقة الدولية في قدرتها على إدارة حوارات استراتيجية حساسة وفاعلة.
وأوضح منظمو المؤتمر أن بياناً تفصيلياً سيتم إصداره في وقت لاحق، يتضمن محاور الاجتماع، وأبرز المشاركين، والموضوعات المطروحة للنقاش، وهو ما يعكس حرص اللجنة المنظمة على التهيئة الدقيقة لهذا الحدث، الذي يُتوقع أن يشهد مشاركة واسعة من قادة الدول، وصناع القرار، والخبراء الأمنيين من مختلف القارات.
تعكس هذه الخطوة توجه المملكة نحو تعزيز حضورها الدبلوماسي في المحافل الدولية الكبرى، حيث تنسجم مع رؤيتها الطموحة 2030، والتي تُبرز السياسة الخارجية كعنصر محوري في بناء صورة المملكة الجديدة كشريك عالمي في صناعة السلام والتنمية.
ومن المتوقع أن يُشكّل الاجتماع القادم في العُلا فرصة لتعزيز التعاون الدولي، وتنسيق الجهود في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة، من صراعات الشرق الأوسط، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمات الطاقة، والتقنيات العسكرية الحديثة.