يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة دقيقة تتسم بتصاعد الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهما القوتان الاقتصاديتان الأكبر في العالم، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى تعزيز سياساتها الحمائية، تواصل الصين اتباع نهجها الخاص في التجارة الدولية، مما يخلق حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل النظام الاقتصادي العالمي.
هذا الوضع يثير العديد من التساؤلات حول الاستقرار والنمو العالميين، ويطرح تساؤلاً مهمًا: هل يمكن أن تؤدي هذه السياسات الحمائية إلى دفع الاقتصاد العالمي نحو أزمة حقيقية؟
السياسات الحمائية المتصاعدة بين البلدين تمثل نقطة تحول محورية قد تؤدي إلى تأثيرات كبيرة على التجارة العالمية والنمو الاقتصادي، فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى فرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية بهدف حماية صناعاتها، تعمد الصين إلى تكثيف تصدير منتجاتها لتعويض أي تأثيرات سلبية قد تطرأ على اقتصادها نتيجة الرسوم.
هذه السياسات المتضاربة بين أكبر اقتصادات العالم تؤدي إلى حالة من عدم اليقين، مما يعقد التوقعات الاقتصادية ويدفع العديد من الخبراء إلى القلق من الآثار السلبية لهذه السياسات على الاقتصاد العالمي.
بحسب مقال نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، تتزايد المخاطر الاقتصادية نتيجة الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين، الكاتب مارتن وولف أشار إلى أن هذه التوترات هي نتاج ما وصفه بالاختلالات العالمية التي نشأت قبل الأزمات المالية الأخيرة، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
اختلالات هذه الأنظمة التجارية تتضح في الفوائض المستمرة التي تحققها الصين وألمانيا والدول الأوروبية الأخرى، بينما تعاني الولايات المتحدة من عجز مستمر في حساباتها التجارية، هذا العجز لا يقتصر فقط على الميزان التجاري، بل يتعداه إلى تدهور كبير في قطاع التصنيع الأمريكي، الأمر الذي يعزز من الضغوط التي تشهدها الولايات المتحدة بسبب العجز المتزايد في الحساب الجاري.
تعاني الولايات المتحدة من عجز مستمر في حساباتها التجارية والحساب الجاري، وهو ما يمثل مشكلة طويلة الأمد للاقتصاد الأمريكي، ورغم أن بعض الاقتصاديين يرون أن العيش بما يفوق إمكانيات الولايات المتحدة لا يمثل مشكلة، إلا أن هذا الرأي يتجاهل التوترات السياسية التي تثيرها هذه الاختلالات.
الأهم من ذلك أن هذا العجز يتم تمويله من خلال الاقتراض المحلي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمات مالية ضخمة، كما حدث في فترات سابقة بين عامي 2007 و2015، يتزايد القلق من أن استمرار هذه الاختلالات سيؤدي إلى تبعات مالية خطيرة في المستقبل.
في المقابل لا تمثل الصين اللاعب الوحيد في هذه المعادلة لكنّها تُعد الأهم، بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني، تُمثل استثماراتها ومدخراتها جزءًا كبيرًا من الاقتصاد العالمي، الصين تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي من خلال استراتيجيات مثل "صُنع في الصين 2025"، التي تهدف إلى تعزيز القطاع الصناعي والتكنولوجي داخل البلاد.
هذا التصاعد في القوة الاقتصادية الصينية يثير القلق بين القوى الاقتصادية الأخرى، ويشكل تهديدًا للتوازن الاقتصادي العالمي، تخشى الدول الصناعية الكبرى من النمو السريع للاقتصاد الصيني وتوسع نفوذه في السوق العالمية.
في ضوء هذه التحديات العالمية والتوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت الحرب التجارية ستؤدي إلى تحول جذري في النظام الاقتصادي العالمي أو تُسرّع من انهياره، ما هو مؤكد هو أن الوضع الراهن يتطلب حلولًا جذرية، إذ تزداد المخاطر الاقتصادية بشكل متسارع، مما يستدعي الحذر والتخطيط المستقبلي من جميع الأطراف المعنية.