في خطوة مفاجئة تحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد محمد العليمي، اليوم السبت الموافق 3 مايو 2025، قرارًا جمهوريًا بتعيين الخبير المالي المعروف سالم صالح بن بريك رئيسًا لمجلس الوزراء، خلفًا للدكتور أحمد عوض بن مبارك الذي قدّم استقالته رسميًا صباح اليوم.
ويُنظر إلى هذا التغيير الحكومي باعتباره مفصلًا حاسمًا في مسار السلطة التنفيذية، يأتي في ظل ظروف دقيقة يمر بها اليمن، تتطلب قيادات تنفيذية قادرة على الاستجابة السريعة للتحديات المتراكمة، ويُعد بن بريك أحد الأسماء البارزة في المجال المالي والإداري في اليمن، وله سجل طويل من العمل في مؤسسات الدولة، ما يعزز من توقعات الشارع اليمني بشأن طبيعة المرحلة المقبلة.
وقد جاءت استقالة الدكتور أحمد بن مبارك بعد سلسلة من الخلافات الداخلية وتحديات في إدارة الحكومة، حيث كشف في بيان له عن عدم تمكنه من ممارسة صلاحياته الدستورية بصورة كاملة، وعدم قدرته على تنفيذ إصلاحات ضرورية في بعض مؤسسات الدولة، إضافة إلى تعثر جهود تعديل التشكيلة الحكومية.
وتأتي هذه الاستقالة في وقت تشهد فيه الساحة السياسية اليمنية انقسامات متصاعدة بين مكونات السلطة الشرعية، ما يعكس حجم الضغوط التي واجهها بن مبارك خلال فترة توليه رئاسة الوزراء، وقد أدى ذلك إلى خلق فراغ في القيادة التنفيذية كان لا بد من معالجته بسرعة، وهو ما قام به مجلس القيادة الرئاسي بتعيين بن بريك في محاولة لاستعادة التوازن وتعزيز الأداء الحكومي.
ولا يعتبر سالم بن بريك وجهًا جديدًا في المشهد اليمني، بل هو شخصية إدارية معروفة تنحدر من محافظة حضرموت، ويحظى بسجل مهني طويل في المجال المالي، حيث شغل مناصب متعددة في مصلحة الجمارك والمنطقة الحرة بعدن، وصولًا إلى رئاسة مصلحة الجمارك عام 2014، ثم نائبًا لوزير المالية في 2018، وأخيرًا وزيرًا للمالية منذ سبتمبر 2019 وحتى تعيينه اليوم رئيسًا للحكومة.
ويُعرف بن بريك بأسلوبه الفني والانضباطي في إدارة الملفات المالية، وقد ساهم خلال فترة توليه وزارة المالية في إعادة تنظيم الإنفاق الحكومي، وتحسين الشفافية في التعاملات الرسمية، رغم التحديات التي فرضتها الحرب والانقسام المؤسساتي في البلاد.
ويأتي هذا التعيين في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها اليمن، حيث يشهد الريال اليمني انهيارًا حادًا أمام العملات الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية.
وتشير تقارير اقتصادية محلية إلى أن سعر صرف الدولار تجاوز حاجز 2600 ريال يمني في مناطق الحكومة، ما يعكس التدهور السريع في قيمة العملة الوطنية، وسط غياب إصلاحات مالية فعالة خلال الفترة الماضية، كما يعاني المواطن اليمني من تراجع حاد في القدرة الشرائية، وانتشار واسع للفقر والبطالة، وغياب شبه تام للخدمات الصحية والتعليمية.
ومن المنتظر أن يكون الملف الاقتصادي في مقدمة أولويات الحكومة الجديدة بقيادة بن بريك، خصوصًا مع تزايد المطالب الشعبية باتخاذ خطوات ملموسة للحد من تدهور الأوضاع.
وفي الجانب السياسي، يُنتظر من بن بريك أن يعمل على ترميم التصدعات بين مكونات الحكومة المختلفة، وتعزيز التوافق السياسي بين الأطراف المتحالفة ضمن السلطة الشرعية، خصوصًا بعد أن أثبتت الفترة الماضية هشاشة التحالفات القائمة، كما من المتوقع أن يكون هناك تحرك جديد نحو إعادة هيكلة أداء الوزارات والمؤسسات، مع الدفع بوجوه تكنوقراطية قد تُحدث توازنًا بين الكفاءة والانتماء الوطني.
ومع أن بن بريك لا يُعد شخصية سياسية بارزة، إلا أن خلفيته الفنية قد تكون نقطة قوة تتيح له العمل بعيدًا عن التجاذبات السياسية، مع التركيز على تحقيق نتائج ملموسة في الملفات الحيوية، وعلى رأسها الاقتصاد والخدمات العامة.
ومن جهة أخرى، يثير هذا التغيير الحكومي تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الجديدة على التعاطي مع التحديات الأمنية والعسكرية، خصوصًا في ظل الجمود الذي يعتري ملف السلام وغياب أفق واضح لإنهاء الصراع المسلح في البلاد.
ويتطلب نجاح الحكومة الجديدة دعمًا سياسيًا وإقليميًا قويًا، إضافة إلى تعاون فعّال بين السلطة التنفيذية ومجلس القيادة الرئاسي، كما يتعين على بن بريك تقديم رؤية وطنية شاملة ترتكز على مبدأ الشفافية والمساءلة، مع خلق بيئة تُمكن المؤسسات من العمل بكفاءة بعيدًا عن ضغوط المصالح الضيقة.