في خطوة تعكس التوتر المتصاعد في العلاقات التركية الإسرائيلية، خرجت وزارة الخارجية التركية عن صمتها لتنهي الجدل الذي أثير مؤخرًا بشأن عبور طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من المجال الجوي التركي في طريقه إلى زيارة رسمية مقررة لأذربيجان, التصريحات التركية، التي جاءت حاسمة وواضحة، أكدت أن أنقرة لم تتلقّ أي طلب من الجانب الإسرائيلي بشأن عبور طائرة نتنياهو، نافية بذلك صحة التقارير التي تحدثت عن رفض تركي مروري.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت أن نتنياهو اضطر لإلغاء زيارته إلى أذربيجان، التي كانت مقررة بين 7 و11 مايو/أيار الجاري، بسبب رفض تركيا السماح لطائرته بالتحليق فوق أجوائها، وهو ما شكل عائقًا لوجستيًا دفعه إلى العدول عن الرحلة, وقد أثارت هذه الأنباء ردود فعل متباينة، خاصة في ظل حساسية العلاقات بين الجانبين وتوترها المتزايد على خلفية التطورات الإقليمية، ولا سيما التصعيد العسكري في قطاع غزة والمواقف التركية الداعمة للقضية الفلسطينية.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كتشالي، أن بلاده لم تتلقّ أي طلب من إسرائيل بهذا الشأن، مشددًا على أن الأنباء التي تم تداولها في الإعلام الإسرائيلي لا أساس لها من الصحة, وأوضح أن تركيا لم تمنح أي إذن لطائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بعبور أجوائها، وأن الحديث عن رفض أو قبول غير وارد من الأساس لغياب الطلب الرسمي.
ورغم نفي تركيا صدور قرار برفض مروري، فإن القراءة السياسية للواقع تشير إلى أن أنقرة، حتى لو تلقت مثل هذا الطلب، قد تتجه لرفضه فعلًا، في ظل القطيعة الدبلوماسية التي وصلت إلى ذروتها مؤخرًا, فقد أعلنت الحكومة التركية في أبريل 2025 عن تعليق علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، احتجاجًا على استمرار العمليات العسكرية التي تنفذها تل أبيب في قطاع غزة، معتبرة أن تلك الاعتداءات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا للأمن الإقليمي.
ويبدو أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها واقعة مشابهة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عندما رفضت تركيا مرور طائرة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أثناء توجهه إلى أذربيجان لحضور مؤتمر دولي حول التغير المناخي, آنذاك، اضطرت إسرائيل أيضًا إلى إلغاء الزيارة، في موقف اعتبرته وسائل الإعلام العبرية إهانة دبلوماسية متعمدة.
وعلى الرغم من محاولات التقارب التي شهدتها العلاقات التركية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، فإن حرب غزة الأخيرة وما تبعها من ردود أفعال دولية، دفعت أنقرة لإعادة النظر في سياساتها, فقد خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدة تصريحات نارية ضد إسرائيل، متهما إياها بارتكاب "جرائم حرب" و"إبادة جماعية"، كما وصفها بأنها "دولة إرهاب" في خطابات متعددة, ولم تتوقف أنقرة عند التصريحات، بل تبعتها بإجراءات عملية تمثلت في سحب السفير التركي من تل أبيب، وإيقاف جميع الاتفاقيات الثنائية ذات الطابع الاستراتيجي.
اللافت في هذه القضية أن أذربيجان، الحليف التقليدي لتركيا، لم تصدر أي تعليق رسمي على الموضوع، مكتفية بالصمت الذي يفتح الباب أمام العديد من التأويلات، خصوصًا في ظل اعتمادها على الدعم التركي في قضايا إقليمية حساسة مثل نزاع ناغورني كاراباخ.
ويرى مراقبون أن هذا التطور يكرس الفصل الجديد من العلاقة المتوترة بين أنقرة وتل أبيب، وربما يعيد العلاقات إلى نقطة ما قبل التقارب الذي بدأ عام 2022, فبينما تحاول إسرائيل الحفاظ على قنوات التواصل مع الدول الإسلامية في ظل عزلتها المتزايدة بعد تصاعد الانتقادات الدولية لسلوكها العسكري، تجد تركيا في تصعيد المواقف فرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية، خاصة في الشارع العربي والإسلامي الذي ينظر إلى موقفها بإيجابية.
ويطرح رفض مرور الطائرة ـ سواء حدث بالفعل أو كان متوقعًا ـ تساؤلات عن مستقبل الرحلات الدبلوماسية الإسرائيلية في المنطقة، لا سيما في ظل تكرار المواقف التركية، مما قد يدفع إسرائيل إلى مراجعة استراتيجيتها اللوجستية وتوسيع تحالفاتها الجغرافية.
يبقى أن هذه الأزمة، التي بدأت بتقارير إعلامية وتضخمت لتصبح قضية سياسية، تعكس هشاشة العلاقات التركية الإسرائيلية، وتُظهر كيف يمكن للملفات اللوجستية أن تتحول إلى رموز لصراعات سياسية أكبر, وبينما تحاول أنقرة ترسيخ مواقفها الأخلاقية، تجد تل أبيب نفسها مضطرة لمواجهة عزلة دبلوماسية قد تتفاقم مع استمرار النزاع في غزة.