تشهد منطقة الباحة هذه الأيام حالة استثنائية من الانتعاش السياحي، تزامنًا مع الأجواء المطرية الباردة والإجازة المطولة التي استقطبت الآلاف من الزوار من مختلف مناطق المملكة، وحتى من خارجها، هذا التزامن غير المعتاد بين الطقس العليل والإجازة منح الباحة فرصة ذهبية لتعيد التأكيد على مكانتها كواحدة من أبرز وجهات المصايف السعودية.
غطّت السماء في الباحة سُحب رمادية كثيفة امتدت فوق الجبال والسهول، وانهمرت بعدها زخات من الأمطار تراوحت بين متوسطة إلى غزيرة، لتروي الأرض وتنعش النباتات وتحوّل الطرقات والمنحدرات إلى مشاهد ساحرة تتدفق فيها المياه، في وقت انخفضت فيه درجات الحرارة إلى نحو 12 درجة مئوية، في مشهد نادر في معظم مناطق المملكة خلال نهاية الربيع.
هذا الطقس المثالي لم يمر مرور الكرام، بل كان كفيلاً بجذب السياح والمصطافين الذين تقاطروا على أبرز مواقع الجذب في المنطقة، ليعيشوا تجربة متكاملة تمزج بين الجمال الطبيعي والأجواء الضبابية الباردة، فـغابة رغدان تحولت إلى لوحة خضراء تكتسي بها الأشجار الباسقة، بينما استقبل متنزه القيم العائلات ومحبي الطبيعة الباحثين عن لحظة هدوء بين ضباب الشُعَب الجبلية، في حين كان متنزه الشكران وحديقة الأمير حسام وجهتين مفضلتين لعشاق الصور والمغامرات الخفيفة في الطبيعة المفتوحة.
ولم تكن هذه الزيارات مجرد تنزّه عابر، بل فرصة حقيقية لعيش تجربة "المطر والضباب" وسط مشاهد الشلالات التي انهمرت من أعالي الجبال، وصنعت خيوطًا مائية تنساب بين الصخور والأودية، في مشهد يلامس الخيال ويشبه الروايات المصوّرة، هذا الجمال الطبيعي البكر، دفع الزوار إلى التفاعل الكثيف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث امتلأت المنصات بمقاطع الفيديو والصور التي تُظهر الأجواء الممطرة، وتعليقات تحتفي بروعة الباحة وأجوائها الخلابة.
في المقابل، رفعت الجهات الأمنية والخدمية من جاهزيتها لاستيعاب هذه الزيادة الكبيرة في عدد الزوار، حيث كثّفت حضورها الميداني، ونظّمت حركة السير في المواقع السياحية، وساهمت في تسهيل وصول العائلات إلى وجهاتهم بكل يُسر وأمان، كما تم تعزيز الخدمات اللوجستية والمرافق العامة، في مشهد يعكس مدى اهتمام الجهات المختصة بتوفير بيئة سياحية مثالية وآمنة.
ووفقًا لتوقعات المركز الوطني للأرصاد، من المتوقع أن تستمر هذه الأجواء الماطرة حتى يوم الثلاثاء المقبل، مما يعني أن منطقة الباحة أمام أيام إضافية من الحراك السياحي والطقس الجميل، خصوصًا أن الأجواء ستظل باردة وممطرة، ما يعزز من متعة الزائر ويزيد من وقت استمتاعه بعيدًا عن حرارة الصيف.
ويُعد هذا النشاط المناخي فرصة لتعزيز السياحة الداخلية، حيث لوحظ ارتفاع ملحوظ في نسبة إشغال الفنادق والشقق المفروشة، فضلًا عن امتلاء المنتجعات الجبلية بالزوار، بالإضافة إلى حركة تجارية نشطة في الأسواق الشعبية والمقاهي والمطاعم، التي شهدت إقبالًا كبيرًا من الأهالي والسياح على حد سواء.
ولا شك أن هذه الفترة تمثل موسمًا ذهبيًا لأهالي المنطقة الذين وجدوا في هذه الأجواء فرصة لتنشيط الأعمال التجارية والخدمية المرتبطة بالسياحة، بينما شكّل تواجد الزوار من مختلف الأعمار والثقافات لوحة اجتماعية تعكس تنوّع المملكة وتفرّدها البيئي والسياحي.
وتبقى الباحة، بعراقتها الطبيعية وتراثها الضارب في الجمال، واحدة من أكثر مناطق المملكة جذبًا في مثل هذه الفترات، حيث جمعت بين الغيوم والشلالات، والضباب والنسمات الباردة، لتكتب فصلاً جديدًا في كتاب المصايف السعودية، وتقدّم لزوارها تجربة لا تُنسى بكل ما تحمله من روعة ومناظر وتفاصيل.