في إطار مساعيه المتواصلة لضبط الأمن على الحدود الشرقية مع سوريا، وفي وقت تتكثف فيه الإجراءات العسكرية لمنع تجدد التوترات والمواجهات في تلك المنطقة الحساسة، أعلن الجيش اللبناني عن إنجاز أمني بارز تمثل في مداهمة وتفكيك واحد من أكبر معامل تصنيع حبوب الكبتاغون في البلاد، هذا الإنجاز الأمني أتى في ظل تعزيزات متزايدة على الحدود، وانتشار عسكري مكثف لمنع أي تسلل أو نشاطات غير قانونية، تماشياً مع التوجه الرسمي الحازم لإغلاق المعابر غير الشرعية التي لطالما كانت منفذًا لعصابات التهريب وتجار المخدرات.
وفي التفاصيل، أوضح الجيش اللبناني في بيان رسمي صادر اليوم الاثنين، أن دورية من مديرية المخابرات نفذت عملية نوعية في منطقة حرف السماقة – الهرمل، عند الحدود الشمالية الشرقية، حيث داهمت معملًا مخصصًا لتصنيع الكبتاغون، وتمكنت من تفكيكه بالكامل، وأكدت مصادر عسكرية أن المعمل يُعد من أضخم المراكز غير الشرعية لإنتاج الكبتاغون التي تم اكتشافها منذ بدء الحملة الأمنية الشاملة لمكافحة تجارة وصناعة المخدرات في لبنان.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن المعمل يقع في منطقة شديدة الوعورة ضمن جرود الهرمل، ويضم ثلاثة طوابق ومستودعات مليئة بالمواد الكيميائية والمعدات المتطورة الخاصة بإنتاج الحبوب المخدرة، كما تم العثور على مئات البراميل من السوائل والبودرة الداخلة في تصنيع الكبتاغون، إلى جانب مئات الملايين من الحبوب المخدرة الجاهزة للتوزيع، ما يعكس مدى ضخامة الإنتاج والإمكانات اللوجستية الموضوعة في خدمته.
وكشفت المعلومات أن المداهمة جاءت بعد متابعة دقيقة لتحركات مشبوهة حول منزل مملوك لمواطن لبناني، ما دفع وحدة المخابرات إلى التحرك السريع بعد التحقق من المعطيات، لتكتشف المعمل وتفككه، وقد باشرت الأجهزة الأمنية التحقيقات لتحديد هوية المتورطين والجهات الداعمة لهذا النشاط الإجرامي، علمًا أن المنزل كان خاليًا أثناء العملية، ما يشير إلى احتمال وجود شبكة واسعة تقف خلفه وتتحرك بسرية تامة في تلك المناطق الوعرة والمعزولة.
هذه الضربة الأمنية جاءت في أعقاب سلسلة توترات شهدتها الحدود اللبنانية السورية، لا سيما في منطقة العريض قرب بلدة حوش السيد علي شمال شرقي قضاء الهرمل، حيث تتكرر النزاعات المسلحة بين عصابات تهريب لبنانية وسورية تتقاسم النفوذ على طول الشريط الحدودي منذ سنوات، إلا أن التدخل السريع والحازم للجيش اللبناني ساهم في إعادة الاستقرار المؤقت إلى المنطقة، بالتزامن مع تحركات لوجستية لتثبيت وحدات قتالية جديدة تابعة لألوية مختلفة من الجيش في أبرز نقاط التهريب.
وفي السياق ذاته، أشارت المصادر العسكرية إلى نشر مجموعة أمنية جديدة تتكوّن من عناصر من اللواءين السادس والتاسع وأفواج برية أخرى، في المناطق الممتدة من يمين معبر جوسيه وصولاً إلى جرود الهرمل، مروراً بحوش السيد علي، مشاريع القاع، منطقة العريض، وسهلات الميّ والقصر، هذا الانتشار يندرج ضمن خطة أمنية شاملة تهدف إلى سد الثغرات الحدودية ومنع أي نشاط إجرامي، في ظل قرار رسمي واضح يقضي بإقفال كل المعابر غير الشرعية، تمهيداً لفرض سيادة الدولة على كامل الأراضي.
وتأتي هذه التطورات المتسارعة بعد تفعيل قنوات الاتصال الأمني بين الجانبين اللبناني والسوري، وسط ترقب لاجتماع مرتقب هذا الشهر للجنة الأمنية المشتركة، التي تتولى المملكة العربية السعودية رئاستها، بهدف تنظيم وضبط الحدود المشتركة، كما كان مجلس الوزراء اللبناني قد أقر تشكيل لجنة وزارية خاصة لوضع مقترحات عملية لتأمين الحدود مع سوريا، في خطوة تؤكد أن ملف التهريب لم يعد مقبولًا لا محليًا ولا دوليًا.
ورغم الإجراءات المتخذة، تبقى الحدود اللبنانية السورية واحدة من أكثر النقاط توترًا وتعقيدًا في المنطقة، في ظل وجود شبكات تهريب مدعومة ومتجذرة، تنشط في نقل البضائع والأشخاص منذ عقود، ومع تفكيك هذا المعمل الضخم، يكون الجيش اللبناني قد وجّه ضربة موجعة لتلك الشبكات، مؤكدًا مضيه قدمًا في مواجهة التحديات الأمنية مهما كانت وعرة أو محفوفة بالمخاطر.