عجز المعاملات الجارية بالاقتصاد المصري
أزمة غير مسبوقة تواجه الاقتصاد المصري: عجز المعاملات الجارية يتجاوز 11 مليار دولار
كتب بواسطة: محمد مكاوي |

كشفت بيانات صادمة عن البنك المركزي المصري يوم الاثنين عن اتساع عجز ميزان المعاملات الجارية في مصر إلى مستويات قياسية بلغت 11.1 مليار دولار خلال الفترة من يوليو/تموز 2024 إلى ديسمبر/كانون الأول 2024، مقارنة بـ 9.6 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام السابق، وتشكل هذه الزيادة التي تقدر بنحو 15.6% تحدياً اقتصادياً جديداً يضاف إلى سلسلة التحديات التي تواجهها القاهرة في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة، ويأتي هذا التراجع وسط مخاوف متزايدة بشأن قدرة الاقتصاد المصري على تحمل الضغوط المتزايدة في ظل استمرار انخفاض الاحتياطيات الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 30% في بعض الفترات من العام الماضي، مما يزيد من صعوبة إدارة الملف الاقتصادي أمام السلطات المصرية.

وأوضح البنك المركزي المصري في تقريره الأخير أن السبب الرئيسي وراء اتساع عجز ميزان المعاملات الجارية يعود إلى الارتفاع الحاد في عجز الميزان التجاري الذي قفز بنسبة مذهلة بلغت 47.4% ليصل إلى 27.5 مليار دولار، ويعكس هذا الارتفاع في عجز الميزان التجاري الاختلال الهيكلي في الاقتصاد المصري والذي يتمثل في اعتماده الكبير على الواردات مقابل محدودية الصادرات، ويتزامن ذلك مع انخفاض حاد في إيرادات قناة السويس بنسبة 62.3% لتصل إلى 1.8 مليار دولار فقط، مقارنة بـ 4.8 مليارات دولار في العام السابق، ويأتي هذا التراجع الدراماتيكي في إيرادات القناة نتيجة مباشرة لهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر والتي أدت إلى تحول مسارات الشحن العالمية بعيداً عن القناة، ويمثل هذا الانخفاض ضربة موجعة للاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات القناة كمصدر أساسي للعملة الصعبة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.

وأضافت البيانات الرسمية أن صادرات مصر من النفط سجلت انخفاضاً تاريخياً لتصل إلى 3 مليارات دولار فقط مقارنة بـ 3.2 مليارات دولار في العام السابق، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى التراجع الحاد في صادرات الغاز الطبيعي والنفط الخام، وفي تحول دراماتيكي من موقعها كمصدر للغاز، عادت مصر إلى وضعية المستورد للغاز الطبيعي، حيث ارتفعت واردات الغاز بقيمة 2.1 مليار دولار، واضطرت البلاد إلى شراء عشرات الشحنات من الغاز المسال والتخلي عن خططها الطموحة لتصبح مورداً رئيسياً للغاز لأوروبا، ويأتي هذا التراجع في قطاع الطاقة نتيجة للانخفاض الحاد في الإنتاج المحلي والزيادة في الاستهلاك المحلي، مما أدى إلى عدم قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها التصديرية، ويشكل هذا التحول تهديداً حقيقياً لخطط الحكومة المصرية التي كانت تعول على قطاع الطاقة كمصدر مهم لتوفير العملة الصعبة وتحسين ميزان المدفوعات.

وفي المقابل، أظهرت البيانات بعض الجوانب الإيجابية في الاقتصاد المصري، حيث ارتفعت إيرادات قطاع السياحة إلى 8.7 مليارات دولار في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 7.8 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام السابق، وأشارت بيانات وزارة السياحة المصرية إلى أن البلاد شهدت انتعاشاً ملحوظاً في القطاع السياحي بعد جائحة كوفيد-19، مع وصول عدد السياح إلى مستوى قياسي بلغ 15.7 مليون سائح في عام 2024، وتعتبر هذه الأرقام مؤشراً إيجابياً على تعافي قطاع السياحة الذي يعد من القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري، كما شهدت تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وهي مصدر رئيسي آخر لتدفقات العملات الأجنبية، ارتفاعاً كبيراً بنسبة 80.7% لتصل إلى 17.1 مليار دولار، ويشير هذا الارتفاع الاستثنائي في التحويلات إلى زيادة ثقة المصريين في الخارج في اقتصاد بلادهم، أو ربما يعكس محاولات لدعم عائلاتهم في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة داخل مصر.

وعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية، أشار البنك المركزي المصري إلى ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 6 مليارات دولار مقارنة بـ 5.5 مليارات دولار في العام السابق، وبالرغم من أن هذه الزيادة تعد متواضعة، إلا أنها تعكس استمرار ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري رغم التحديات الراهنة، وتسعى الحكومة المصرية جاهدة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية من خلال حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية وتحسين بيئة الأعمال، خاصة بعد إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار، ويبقى السؤال الملح: هل ستتمكن مصر من احتواء الأزمة الاقتصادية الراهنة قبل نهاية السنة المالية الحالية التي تنتهي في 30 يونيو/حزيران المقبل، أم أن التحديات ستستمر في ظل الاضطرابات الإقليمية والتحديات العالمية المتزايدة؟ وكيف ستواجه الحكومة المصرية معضلة تمويل العجز المتزايد في ميزان المدفوعات في ظل محدودية مصادر العملة الصعبة وارتفاع أعباء الدين الخارجي الذي تجاوز 165 مليار دولار؟