إيران والولايات المتحدة تستأنفان التفاوض
محادثات حاسمة في مسقط: إيران والولايات المتحدة تستأنفان التفاوض وسط توترات إقليمية متصاعدة
كتب بواسطة: سوسن شرف |

في خطوة توحي بإمكانية إعادة ضبط إيقاع العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران، تستعد العاصمة العُمانية مسقط يوم الأحد المقبل لاحتضان الجولة الرابعة من المحادثات غير المباشرة بين الجانبين، في محاولة جديدة لكسر الجمود وتفادي الانزلاق نحو مواجهة شاملة في منطقة تتأرجح على حافة التصعيد، وبحسب ما أفاد به مصدر مطّلع لموقع "نور نيوز" الإيراني، فإن هذه الجولة من المفاوضات تأتي امتدادًا لثلاث جولات سابقة عُقدت خلال الأشهر الأخيرة، وتركّز بشكل خاص على ملفات إنسانية وهواجس أمنية متبادلة، وهو ما يعكس تحولًا تكتيكيًا في مقاربة الطرفين، بعيدًا عن الملفات الخلافية الكبرى، وفي مقدمتها البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

ويأتي الإعلان عن استئناف المحادثات في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدًا حادًا، سواء على مستوى التوترات الأمنية في البحر الأحمر والخليج العربي، أو على صعيد الصراع المحتدم في غزة، والذي أسهم في رفع منسوب الاحتكاك بين القوى الإقليمية والدولية، وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن استضافة مسقط لهذه الجولة في هذا التوقيت الدقيق يؤشر إلى رغبة العمانيين في لعب دور الوسيط الهادئ بين القوى الكبرى، مستفيدين من علاقتهم المتوازنة مع كلّ من واشنطن وطهران.

وتأتي هذه التطورات أيضًا بالتزامن مع إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عزمه القيام بجولة إقليمية تشمل السعودية والإمارات وقطر ودولًا أخرى خلال الأسبوع ذاته، ما يضفي مزيدًا من التعقيد وربما الزخم على المشهد الدبلوماسي المتحرك في المنطقة، وسط تكهنات بأن الجولة الأمريكية قد تكون محاولة لإعادة ترتيب الاصطفافات الإقليمية، في ضوء المستجدات المتسارعة على أكثر من جبهة.

وتكتسب الجولة الرابعة من المفاوضات أهمية استثنائية بالنظر إلى طبيعة الملفات المطروحة، والتي وُصفت بأنها "إنسانية وأمنية" في المقام الأول، فبينما تصر إيران على ضرورة رفع بعض القيود الإنسانية المرتبطة بالعقوبات، لا سيما ما يتصل منها بالدواء والمساعدات، فإن الجانب الأمريكي – وفق تسريبات غير مؤكدة – يولي اهتمامًا متزايدًا بمخاوف تتعلق بأمن الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، فضلًا عن نشاطات بعض الفصائل المرتبطة بإيران في المنطقة.

ويشير مراقبون إلى أن هذه المحادثات، رغم طابعها غير المباشر، تمثل اختبارًا حقيقيًا لنيات الطرفين بشأن إمكانية التوصل إلى تفاهمات مرحلية قد تمهّد لإحياء مسار دبلوماسي أوسع، ربما يشمل في مرحلة لاحقة مناقشة مستقبل الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن في عهد إدارة ترامب عام 2018، ومنذ سنوات، تلعب سلطنة عمان دور الوسيط غير المعلن في عدد من الملفات الإقليمية، وقد استضافت عدة جولات سابقة من الحوار الأمريكي-الإيراني في مراحل مختلفة، ويُنظر إلى السلطنة باعتبارها أحد الأطراف القلائل القادرة على التواصل مع مختلف الفرقاء دون أن تُحسب بشكل مباشر على أي محور سياسي أو عسكري، وهو ما يمنحها ميزة نسبية في إدارة الملفات الحساسة التي تتطلب الكثير من الدقة والتوازن.

ولا تخفي مسقط تطلعها إلى أن تسهم هذه الجولة في تهدئة الأجواء المتوترة، لا سيما في ظل تزايد المخاوف من امتداد رقعة التصعيد إلى ساحات أخرى، كالعراق وسوريا ولبنان، حيث تتمدد دوائر النفوذ الإيراني، وتترقب واشنطن تحركات وكلاء طهران عن كثب، ورغم التباينات الواضحة بين المواقف المعلنة لكل من واشنطن وطهران، إلا أن المراقبين يلحظون وجود رسائل مزدوجة تعكس رغبة الجانبين في تجنّب التصعيد، دون تقديم تنازلات جوهرية في هذه المرحلة، فإيران، من جهتها، تُلمح إلى استعدادها للتعاون في الملفات الإنسانية، لكنها تُصرّ على أن أي تفاهم أوسع لا بد أن يشمل رفعًا تدريجيًا للعقوبات، أما واشنطن، فتبدو مهتمة أكثر بفرض قواعد اشتباك جديدة تحدّ من النفوذ الإيراني في مناطق النزاع، دون الانخراط في مواجهة مباشرة.

ويُعتقد أن المفاوضات ستُجرى من خلال وسطاء عُمانيين، وربما بمشاركة فنية من أطراف أوروبية، كما جرى في الجولات السابقة، في مسعى لتقريب وجهات النظر وبلورة أرضية مشتركة يمكن البناء عليها مستقبلاً، وفي ظل تزايد التحذيرات من أن استمرار حالة الغليان الإقليمي قد تفضي إلى مواجهات غير محسوبة، تبدو محادثات مسقط بمثابة نافذة فرص ضيقة أمام الطرفين لإثبات جديتهما في تجنّب الحرب، وتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية تفتح الباب أمام تسويات أكبر، فبينما يراقب المجتمع الدولي بقلق تطورات المنطقة، تتجه الأنظار إلى العاصمة العمانية علّها تشهد اختراقًا في جدار الأزمة.