الصين
الصين تعيد توجيه استثماراتها نحو أسواق بديلة بعيدًا عن النفوذ الأمريكي
كتب بواسطة: رانية كريم |

تسير الصين بهدوء وثقة في تنفيذ استراتيجية جديدة قد تُحدث تحوّلاً في توازنات الاستثمار العالمية، من خلال تقليص اعتمادها التقليدي على سندات الخزانة الأميركية، وهي خطوة تأتي في وقت تتزايد فيه التوترات الاقتصادية والجيوسياسية بين بكين وواشنطن، وتتكشف فيه هشاشة الاعتماد الأحادي على الدولار الأميركي كملاذ استثماري آمن.

لطالما كانت سندات الخزانة الأميركية المكون الأساسي في احتياطيات الصين الضخمة من النقد الأجنبي والتي تتجاوز 3.2 تريليون دولار، وعلى الرغم من العوائد المتواضعة التي توفرها فإن ميزتها الأساسية كانت في كونها آمنة، سائلة، ومعترف بها عالمياً، لكن الرياح الاقتصادية والسياسية المتقلبة في السنوات الأخيرة دفعت بكين لإعادة التفكير في هذه المعادلة التي سيطرت على سياستها المالية لعقود.

تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية كشف عن أن الصين تتبنى استراتيجية استثمارية "هادئة" لكنها عميقة التأثير، تقوم على تنويع استثماراتها السيادية بعيداً عن السوق الأميركية، وعلى الرغم من أن الخطوات لم تُعلن بشكل صريح من قبل السلطات الصينية، فإن البيانات تشير بوضوح إلى توجه جاد لإعادة هيكلة الحيازات، فقد أظهرت وزارة الخزانة الأميركية أن الصين خفّضت حيازاتها من سندات الخزانة بنسبة تفوق 27% بين يناير 2022 وديسمبر 2024، وهو تراجع يفوق بكثير ما حدث في أي فترة سابقة منذ عام 2015.

في الوقت الذي تلتزم فيه الجهات الرسمية الصينية الهدوء في التعليق على هذا التوجه، قالت نائبة محافظ بنك الشعب الصيني، زو لان، إن المحفظة الاستثمارية الصينية "متنوعة بالفعل"، مؤكدة أن تأثير أي اضطراب في سوق واحدة يبقى محدوداً، ومع ذلك فإن أصواتاً داخلية مؤثرة بدأت تعبّر عن قلقها من مستقبل الاعتماد على أدوات الدين الأميركية، وفي مقال بارز نُشر في أبريل الماضي، قال خبيران اقتصاديان من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إن "عصر سلامة سندات الخزانة الأميركية قد ولّى"، مشيرين إلى أن الصين يجب أن تتخذ تدابير فورية لحماية استثماراتها من التقلّبات السياسية الأميركية.

هذه التحركات تتزامن مع أحداث سياسية أثارت قلق المستثمرين العالميين، مثل إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض رسوم جمركية واسعة على شركاء أميركا التجاريين، ما أدى إلى تراجع أسعار سندات الخزانة الأميركية بشكل حاد، وأثار تكهنات بأن الصين قد تستخدم سلاح سنداتها كوسيلة ضغط سياسية واقتصادية ضد واشنطن.

احتياطيات الصين من الدولار الأميركي بلغت ذروتها عند 4 تريليونات دولار في عام 2014، لكنها استقرت فوق حاجز 3 تريليونات منذ 2016، هذا الاستقرار النسبي لا يُخفي القلق الصيني من استمرار التعقيدات الاقتصادية بين القوتين العالميتين، ومع تصاعد الدعوات داخل الصين لتنويع الأصول والابتعاد عن الأسواق الأميركية، يبدو أن بكين ترسم بهدوء خريطة استثمارية جديدة لا تعتمد فقط على الأمان التقليدي بل على التوازن الاستراتيجي الذكي.

هذه الخطوة ليست مجرد رد فعل بل هي تحول استباقي نحو مستقبل ترى فيه الصين أن الاعتماد الكثيف على الولايات المتحدة لم يعد مضمون النتائج، وأن تعزيز السيادة المالية يبدأ من تنويع الأصول وحماية ثروات الدولة من رياح السياسة الدولية المتقلبة.