في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل الاعتداءات المتصاعدة ضد المدنيين في قطاع غزة، استُشهد 15 فلسطينيًا على الأقل، بينهم أطفال ونساء وصحفي، وجُرح العشرات، في غارتين جويتين شنهما جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء الإثنين على مدرسة تستخدم كمركز إيواء للنازحين في حي التفاح، شرق مدينة غزة، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أشهر، وأفادت مصادر طبية فلسطينية بأن طواقم الإسعاف انتشلت جثامين 15 شهيدًا من تحت الأنقاض، جراء الغارتين المتتاليتين على المدرسة التي كانت تؤوي مئات العائلات الهاربة من مناطق المواجهات والقصف العنيف في شمال القطاع ووسطه، مشيرةً إلى أن الحصيلة مرشحة للارتفاع في ظل وجود إصابات خطرة، بعضها يعاني من حروق شديدة وبتر في الأطراف، فيما لم تتمكن الطواقم من الوصول إلى بعض الضحايا العالقين بسبب تردي الوضع الأمني وتواصل الغارات في المنطقة.
وأظهرت مشاهد التُقطت عقب القصف حجم الدمار الهائل الذي لحق بمبنى المدرسة والساحة المحيطة بها، حيث انتشرت الدماء وتمزقت الأجساد في كل زاوية، وسط حالة من الذهول والصدمة لدى الناجين الذين لم يصدقوا أنهم أُعيدوا إلى مشهد الموت بعد أن ظنوا أنهم في مكان آمن، ووقع الهجوم في وضح النهار، وتحديدًا عند ساعات الظهيرة، عندما سقط صاروخان من الطيران الحربي الإسرائيلي على المدرسة بفاصل زمني قصير، ما أدى إلى وقوع أكبر عدد ممكن من الإصابات، ووفق شهادات عدد من السكان، فقد كانت المدرسة تعج بالأطفال والنساء الذين خرج بعضهم للعب في الساحة أو للحصول على حصص غذائية.
وقال شاهد عيان من سكان الحي: "الضربة الأولى أصابت الجهة الغربية من المدرسة، وبعد دقائق وبينما كنا نحاول إسعاف الجرحى جاءت الضربة الثانية وأكملت الكارثة، رأيت أجساد أطفال تطايرت في الهواء، إنه مشهد لا يُنسى"، وأكدت الطواقم الطبية أن من بين الشهداء صحفيًا يعمل في تغطية الأوضاع الإنسانية داخل المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، وأشارت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى أن هذه الجريمة تأتي ضمن سلسلة اعتداءات متكررة استهدفت العاملين في الحقل الإعلامي منذ بداية الحرب.
وبالتزامن مع القصف في حي التفاح، واصل جيش الاحتلال قصفه المكثف بالطائرات والمدفعية على مناطق واسعة جنوب قطاع غزة، لا سيما مدينتي خان يونس ورفح، وأفاد شهود عيان بوقوع انفجارات عنيفة هزّت الأحياء السكنية، ترافق ذلك مع عمليات توغل محدودة نفذتها القوات الإسرائيلية على أطراف المدينتين، وأبلغ سكان محليون عن عمليات هدم واسعة للمنازل والمنشآت المدنية، حيث استخدمت الجرافات العسكرية الإسرائيلية معدات ثقيلة لنسف عشرات المنازل بحجة الاشتباه باستخدامها من قبل مجموعات المقاومة، في حين أكد الأهالي أن معظم تلك البيوت تعود لأُسر مدنية نازحة.
وفي خان يونس، تحدث شهود عن مشاهد ليلية مروّعة، إذ حاصرت القوات الإسرائيلية مستشفى ناصر الحكومي ومنعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى الجرحى، ما تسبب في وفاة عدد من المصابين الذين لم يتلقوا علاجًا في الوقت المناسب، وتأتي هذه المجزرة في وقت يمر فيه قطاع غزة بأسوأ أزمة إنسانية في تاريخه، مع دخول العدوان الإسرائيلي شهره الثامن، والذي أسفر حتى الآن عن استشهاد أكثر من 37 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة عشرات الآلاف، وتدمير البنية التحتية بشكل شبه كامل.
وتقول منظمات إنسانية ودولية إن الأوضاع في غزة "كارثية"، حيث يواجه نحو مليوني فلسطيني خطر المجاعة بسبب نقص المواد الغذائية، وانهيار النظام الصحي، واستهداف المستشفيات بشكل متكرر، وقد وثقت تقارير أممية استهداف أكثر من 140 مدرسة ومركزًا تعليميًا منذ بدء الحرب، بعضها تحوّل لملاجئ للنازحين، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني، وعقب المجزرة، أصدرت وزارة الصحة في غزة بيانًا أكدت فيه أن ما حدث هو "جريمة حرب متكاملة الأركان" تستوجب التحقيق والمحاسبة، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لوقف ما وصفته بـ"العدوان الوحشي" الذي لا يفرّق بين مدني ومقاتل.
ومن جهتها، أدانت مؤسسات حقوقية فلسطينية وعربية القصف على المدرسة، معتبرةً أن استمرار استهداف المدنيين ومراكز الإيواء يعكس "سياسة ممنهجة لإرهاب السكان ودفعهم لمغادرة القطاع قسرًا"، وطالبت بفتح تحقيق عاجل في الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، ورغم صدور العديد من الإدانات الدولية سابقًا لاستهداف المدارس والمستشفيات، فإن الردود غالبًا ما تكون محدودة التأثير، في ظل استمرار الحماية السياسية التي تحظى بها إسرائيل من بعض الدول الكبرى في مجلس الأمن، وهو ما يعرقل أي محاسبة حقيقية أو وقفٍ للعدوان.
ومع كل غارة تسقط على غزة، تُكتب قصة جديدة من الألم والدمار والمأساة، وتُضاف أسماء جديدة إلى سجل الشهداء، أغلبهم أطفال لم يعرفوا من الحياة سوى رعب القصف وصوت الطائرات، وفي ظل غياب المساءلة الدولية، تبقى المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء أهدافًا مكشوفة أمام آلة الحرب الإسرائيلية، في مشهدٍ يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى القانون الدولي وفعالية المنظمات الأممية.