وزارة التعليم السعودي.
تحوّل جذري في تعليم مكة: 6 قرارات كبرى لإعادة تشكيل هيكل التعليم وتمكين المدرسة
كتب بواسطة: محمد صالح |

في خطوة وُصفت بأنها الأكبر ضمن مسار مشروع التحول لتمكين المدرسة، أصدر المدير العام للتعليم بمنطقة مكة المكرمة اليوم، حزمة من ستة قرارات إدارية مفصلية، تهدف إلى تعزيز تمكين المدارس وتفعيل دورها كمركز أساسي لعملية التعليم، وإحداث نقلة نوعية في الأداء المؤسسي والتربوي.

وتضمنت القرارات إغلاق إدارتَي التعليم في محافظتي الليث والقنفذة، إضافة إلى إغلاق مكاتب التعليم التابعة لهما، وكذلك مكاتب التعليم الأخرى التي كانت تتبع لإدارة تعليم مكة المكرمة، كما شملت إعادة هيكلة داخلية تمثلت في إنشاء قسم خاص بالإدارة المدرسية، ووحدة جديدة تحمل اسم "دعم التميز المدرسي"، وذلك في إطار توجه الوزارة نحو اختزال المسارات الإدارية وتيسير عمليات الاتصال والتفاعل المباشر مع المدارس.

وجاءت هذه الخطوة تنفيذًا مباشرًا لتفويض وزير التعليم، الذي منح مديري عموم التعليم في المناطق صلاحية إصدار قرارات الإغلاق وإنهاء التكليفات الإدارية المصاحبة لها، وهو القرار الذي مثّل أول لبنة في سلسلة التحولات المرتقبة، وبحسب بيان الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة، فإن هذه القرارات تأتي في سياق تنفيذ مشروع التحول الوطني الهادف إلى تقليص البيروقراطية الإدارية، من خلال تقليص المستويات التنظيمية من خمسة إلى ثلاثة فقط، تشمل: ديوان الوزارة، إدارة التعليم العامة، والمدرسة.

ويستهدف هذا التغيير المؤسسي تمكين المدرسة بشكل مباشر من اتخاذ القرار، وتحويلها إلى مركز مستقل أكثر فاعلية في قيادة العملية التعليمية، بعيداً عن التشابكات الإدارية والمستويات الوسيطة التي أثبتت التجارب السابقة محدودية أثرها، بل أحياناً إعاقة عمليات التطوير، ويُركز مشروع التحول على تعزيز استقلالية المدرسة في الشأنين الإداري والتربوي، حيث يُمنح مدير المدرسة (أو المديرة) صلاحيات أوسع تمكّنه من التعامل مع احتياجات مدرسته بمرونة، واتخاذ قرارات فورية ترتبط بتطوير البيئة التعليمية وتحسين نواتج التعلم.

كما تهدف هذه الإجراءات إلى تفعيل الدور الإشرافي والرقابي على جودة التعليم، من خلال تقليص الأعباء الإدارية عن المشرفين وتحويل جزء كبير من العمليات التشغيلية إلى جهات مساندة، ما يتيح مساحة أكبر للتركيز على المحتوى التربوي والتعليمي، وتُعد وحدة "دعم التميز المدرسي" من أبرز التحولات الناتجة عن هذه القرارات، إذ تهدف إلى رفع كفاءة المدارس ذات الأداء المتدني من خلال توفير دعم مباشر ومستهدف، قائم على تحليل دقيق للاحتياجات، سواء على مستوى الكادر التعليمي أو البيئة المدرسية.

ويُنتظر أن تسهم الوحدة في تطوير الخطط التدريبية للمعلمين والمعلمات وفقاً لاحتياجاتهم الفعلية، وتحسين آليات المتابعة والتقييم، عبر أدوات قياس أكثر احترافية، كما أن القسم الجديد للإدارة المدرسية سيتولى مهام تنظيم العمل الإداري داخل المدرسة، وخلق بيئة عمل متكاملة تتيح لقادة المدارس التركيز على جودة المخرجات، وتتماشى هذه الخطوة مع توجهات وزارة التعليم نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، لاسيما فيما يخص تطوير التعليم العام، وتحسين مخرجاته، ورفع تصنيفه عالمياً، فقد شهدت السنوات الأخيرة حراكاً واضحاً في هذا المسار، تجسد في إطلاق العديد من البرامج النوعية، مثل "مدرستي" و"التعليم المرن"، وتوسيع دور القيادة المدرسية، ورفع جودة المناهج والوسائل التعليمية.

ويرى مراقبون أن إلغاء المستويات الوسيطة، مثل إدارات التعليم في المحافظات ومكاتب التعليم، يهدف إلى تسريع الأداء المؤسسي، وخفض النفقات التشغيلية، وتعزيز الشفافية والرقابة، كما من شأن هذا التحول أن يقلل من فجوة المركزية ويعزز مبدأ المساءلة المباشرة، وقد لقيت هذه القرارات ترحيبًا واسعًا في أوساط الميدان التربوي، حيث عبّر عدد من قادة المدارس والمعلمين عن تفاؤلهم بهذه الخطوة، التي من شأنها أن تفتح المجال أمام ممارسات تعليمية أكثر مرونة، وتُلبي احتياجات الطلاب بشكل مباشر.

وفي هذا السياق، قال أحد قادة المدارس بمكة المكرمة: "لطالما طالبنا بمنح المدرسة مزيدًا من الصلاحيات لتتمكن من حل مشكلاتها بسرعة، والآن نشهد نقلة نوعية طال انتظارها"، فيما أشارت معلمة تعمل بإحدى مدارس القنفذة، إلى أن إعادة توزيع المهام وتحرير المدرسة من القيود الإدارية السابقة، قد يُحدث تحولًا حقيقيًا في أداء المدارس الريفية، التي كانت تعاني من تأخر الاستجابة الإدارية في كثير من الحالات.

ورغم أن هذه القرارات تعدّ جريئة وغير مسبوقة في الهيكل الإداري للتعليم العام، إلا أن نجاحها الفعلي سيعتمد على مستوى التنفيذ في الميدان، وقدرة المدارس على مواكبة المتغيرات واستثمار الصلاحيات الجديدة بشكل فعّال، كما أن المرحلة المقبلة ستتطلب بناء قدرات القادة التربويين وتأهيلهم للقيام بأدوارهم الجديدة في بيئة تعليمية متغيرة، وهو ما يعكس أهمية وجود دعم مؤسسي قوي، وتكامل بين إدارات التعليم والمدارس، لضمان تحقيق الأثر المطلوب.