علم امريكا والسعودية. حج
خطوة استراتيجية مفاجئة: واشنطن تتخلى عن شرط التطبيع مع إسرائيل للتعاون النووي مع السعودية
كتب بواسطة: محمد اسعد |

في تطور لافت يعكس تحوّلًا في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، كشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز عن تخلي الولايات المتحدة عن شرط تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل كجزء من المفاوضات بشأن التعاون النووي المدني بين الرياض وواشنطن، ويأتي هذا التحوّل قبل أيام قليلة من زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السعودية، ما يضفي بعدًا سياسيًا إضافيًا على القرار الأمريكي المفاجئ.

ولطالما كانت الإدارة الأمريكية، سواء في عهد ترامب أو خلفه جو بايدن، تسعى إلى ربط أي اتفاقات استراتيجية كبرى مع السعودية بشروط سياسية، من بينها تطبيع العلاقات مع إسرائيل على غرار "اتفاقيات أبراهام" التي وُقِّعت في عام 2020 بين إسرائيل وعدة دول عربية برعاية أمريكية، إلا أن هذه المرة، وحسب ما أكدته مصادر رويترز، فإن واشنطن لم تعد تربط التعاون النووي مع الرياض بشرط الاعتراف الرسمي بإسرائيل.

ويُعد ملف التعاون النووي المدني بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في العلاقات بين البلدين، فبينما تسعى الرياض إلى تنويع مصادر الطاقة وتوطين التكنولوجيا النووية السلمية ضمن رؤية المملكة 2030، ظلت واشنطن مترددة في تقديم الدعم الكامل دون التزامات أمنية وسياسية.

وفي السابق، ارتبط هذا الملف بما وصفته تقارير غربية بـ"الحزمة الاستراتيجية"، والتي كانت تشمل توقيع معاهدة أمنية أمريكية-سعودية، والمضي قدمًا في مسار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما رفضته السعودية بوضوح، مؤكدة أن مسألة الاعتراف بإسرائيل ليست ورقة تفاوض، بل ترتبط بحل القضية الفلسطينية عبر إقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967.

وفي مؤشر واضح على جدية التحول في الموقف الأمريكي، أعلن وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة السعودية الرياض، أن بلاده "مستعدة لتوقيع اتفاق شامل مع السعودية في مجالي الطاقة والتكنولوجيا النووية السلمية"، واعتبر رايت أن هذه الخطوة "استراتيجية"، وتهدف إلى "تعزيز شراكات طويلة الأمد بين البلدين في مجالات الطاقة والتكنولوجيا المتقدمة".

وأشار رايت إلى أن الاتفاق المستقبلي سيشمل توطين صناعة الطاقة النووية داخل المملكة، بما يشمل بناء المفاعلات النووية وتدريب الكوادر الوطنية، إلى جانب فتح المجال أمام شركات أمريكية للاستثمار في القطاع النووي السعودي، كما بيّن أن المفاوضات بشأن الاتفاق قد تستغرق عدة أشهر، إلا أن النية السياسية متوفرة لدى الطرفين لإنجاح المسار.

وقرار واشنطن يأتي في ظل تغيّرات إقليمية ودولية كبيرة، أبرزها التوتر المتصاعد في المنطقة بعد تصاعد الأزمات في غزة والضفة الغربية، وتعثر مسار مفاوضات السلام، كما يأتي بعد مؤشرات على تقارب سعودي-إيراني برعاية صينية، ما أعاد تشكيل خارطة التحالفات التقليدية في المنطقة، وبحسب مراقبين، فإن تخلي واشنطن عن شرط التطبيع مع إسرائيل ربما يعكس رغبة أمريكية في عدم خسارة شريك إقليمي بحجم السعودية في ظل تصاعد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، ومحاولات بكين لعب دور أكبر في مشاريع البنية التحتية والطاقة في الخليج العربي.

ومن جهتها، أكدت السعودية أكثر من مرة على لسان كبار مسؤوليها أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس هدفًا بحد ذاته، بل نتيجة لمسار سياسي شامل يؤدي إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وسبق لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن صرّح بأن "القضية الفلسطينية تظل في مقدمة أولويات المملكة، ولا يمكن الحديث عن علاقات طبيعية مع إسرائيل دون حل الدولتين".

وبالتالي، فإن قرار واشنطن بإزالة هذا الشرط من طاولة المفاوضات النووية يُنظر إليه من قبل المراقبين كنوع من القبول بالموقف السعودي الثابت، وليس العكس، خاصة في ظل تنامي الدور الإقليمي للمملكة، وسعيها لتوطين الصناعات المتقدمة، بما في ذلك الطاقة النووية.

ويتوقع محللون سياسيون واقتصاديون أن يشكل الاتفاق النووي المرتقب بين السعودية والولايات المتحدة نقطة تحول في مسار العلاقات الثنائية، ليس فقط في الجانب التكنولوجي والاقتصادي، وإنما أيضًا في الجانب الاستراتيجي، فالتعاون النووي المدني يتطلب مستويات عالية من الثقة وتبادل المعلومات الحساسة، ما يعني تعزيز التحالفات طويلة الأمد بين الطرفين.

ومن جهة أخرى، قد يؤدي هذا التحول في الموقف الأمريكي إلى مراجعات في مواقف أطراف أخرى، سواء إسرائيل التي كانت ترى في التطبيع شرطًا للتقارب الثلاثي، أو إيران التي قد ترى في التعاون النووي الأمريكي-السعودي تهديدًا محتملًا لتوازنات القوة في المنطقة.

وبينما يرى البعض في القرار الأمريكي تنازلًا سياسيًا أمام الرياض، يراه آخرون واقعية دبلوماسية في التعامل مع متغيرات المنطقة وتعقيدات ملفاتها، ومهما يكن التوصيف، فإن التخلي عن شرط التطبيع مقابل التعاون النووي يعيد رسم الخطوط الحمراء في السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، ويمنح السعودية موقعًا تفاوضيًا أقوى في ملفات متعددة قادمة.