في خطوة تحمل دلالات سياسية وإنسانية كبيرة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة رسميًا رفع الحظر عن سفر مواطنيها إلى الجمهورية اللبنانية، ابتداءً من السابع من مايو المقبل، بعد سنوات من القيود التي فرضتها الظروف الأمنية والسياسية، هذا القرار المفاجئ جاء بعد زيارة العمل التي قام بها الرئيس اللبناني، العماد جوزيف عون، إلى أبوظبي قبل أيام، حيث التقى خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في لقاء وصف بأنه "وديّ واستراتيجي".
كما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية اليوم الأحد، أن قرار رفع الحظر يأتي تنفيذًا لتوجيهات رئيس الدولة، في إطار تعزيز العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط بين الشعبين الإماراتي واللبناني، كما يندرج ضمن رؤية إماراتية شاملة لفتح آفاق التعاون مع مختلف الدول العربية، وإعادة جسور الثقة والتعاون المشترك.
لكن القرار لم يكن مطلقًا، فقد رافقته حزمة من الاشتراطات والإجراءات الاحترازية التي تهدف إلى ضمان سلامة المواطنين الإماراتيين أثناء وجودهم في لبنان، إلى جانب تسهيل التواصل معهم في حال حدوث أي طارئ، حيث أوضحت الوزارة أن على كل مواطن إماراتي يعتزم السفر إلى لبنان، التسجيل مسبقًا في خدمة "تواجدي"، وهي منصة إلكترونية ذكية تتيح للجهات المعنية تتبع مواقع المواطنين وتقديم الدعم اللازم لهم وقت الحاجة.
ولم تكتف الوزارة بهذا الشرط فقط، بل أكدت أنه يجب على المواطنين إتمام عملية التسجيل قبل مغادرة الأراضي الإماراتية، سواء تم السفر مباشرةً من الإمارات أو عن طريق بلد ثالث، مشيرةً إلى أن أي إخلال بهذا الشرط قد يؤدي إلى تعليق إجراءات السفر بل وحتى التعرض للمساءلة القانونية، كما شددت على ضرورة تعبئة جميع البيانات بدقة، خاصةً تحديد مكان الإقامة في لبنان، وتحديثه في حال تغييره، بالإضافة إلى إدخال أرقام الطوارئ وأسباب الزيارة.
هذه الإجراءات التنظيمية الصارمة تهدف بشكل أساسي إلى بناء منظومة تواصل فعالة بين الجهات الرسمية والمواطنين أثناء سفرهم خارج البلاد، وتحقيق أعلى درجات الحماية لهم، لا سيما في المناطق التي قد تشهد ظروفًا متغيرة.
وبالعودة إلى خلفية الحظر، كانت الإمارات قد فرضت منذ عام 2019 حظرًا على سفر مواطنيها إلى لبنان، في ظل توترات سياسية وأمنية كانت تشهدها البلاد آنذاك، واستمر الحظر منذ ذلك الحين، حيث تم تجديد التحذير من السفر عدة مرات، وسط تصاعد المخاوف بشأن استقرار الأوضاع في الداخل اللبناني، إلا أن هذا القرار الجديد يعكس على ما يبدو تغيّرًا في النظرة الرسمية تجاه الوضع العام في لبنان، مع تزايد المؤشرات على استعادة بعض الاستقرار، وسعي الحكومة اللبنانية لإعادة علاقاتها العربية إلى سابق عهدها.
وتأتي هذه الخطوة في توقيت دقيق وحساس، إذ يبحث لبنان عن بوابات عبور للخروج من أزمته الاقتصادية العميقة التي بدأت منذ سنوات، وفي ظل تحركات رسمية من القيادة اللبنانية لإعادة بناء الثقة مع الدول الخليجية، وعلى رأسها الإمارات، التي طالما لعبت دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد اللبناني، سواء عبر المساعدات المباشرة أو الاستثمارات طويلة الأمد.
ويرى مراقبون أن هذا التطور سيُمهّد الطريق أمام عودة السياح والمستثمرين من الإمارات إلى لبنان، ما قد يُشكل دفعة قوية لعدد من القطاعات الحيوية وعلى رأسها السياحة، التي تضررت بشدة نتيجة العزلة العربية والدولية التي عاشها لبنان خلال السنوات الماضية.
كما يُتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير سياسي إيجابي، كونه يعكس انفتاحًا دبلوماسيًا بين الجانبين، ورسالة واضحة بأن أبوظبي تمد يدها إلى بيروت في لحظة تحتاج فيها الأخيرة إلى دعم حقيقي على كل المستويات، وتبقى الأيام القادمة كفيلة بكشف ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد بداية لسلسلة من الإجراءات التي قد تؤدي إلى إعادة تموضع الإمارات في المشهد اللبناني، سياسيًا واقتصاديًا.
وقد دعت وزارة الخارجية المواطنين إلى ضرورة الالتزام بالإرشادات والتعليمات، حفاظًا على سلامتهم، مؤكدة أن الدولة ستواصل متابعة تطورات الوضع في لبنان وتحديث تعليماتها بما يحقق أعلى مستويات الأمان لمواطنيها.