توتر عالي بين الهند وباكستان
الحدود تشتعل من جديد: تصاعد خطير في التوتر العسكري بين الهند وباكستان يهدد بانفجار نووي
كتب بواسطة: سعد الحكيم |

منطقة جنوب آسيا تعود مجددًا إلى دائرة الخطر وسط تصعيد عسكري غير مسبوق بين الهند وباكستان، الجارتين النوويتين اللتين تفصل بينهما حدود شديدة التوتر وتاريخ طويل من الصراعات المسلحة، حيث تصاعدت وتيرة الأحداث في الأسابيع الماضية بعد هجوم دامٍ في منطقة كشمير المتنازع عليها، مما فتح الباب أمام سيناريوهات قاتمة قد تقود المنطقة إلى حافة الانفجار.

الهجوم الذي استهدف مجموعة من السياح في إقليم باهالغام الهندي في أبريل الماضي وأدى إلى سقوط عشرات القتلى شكل الشرارة التي فجرت برميل البارود، إذ لم تنتظر الهند طويلًا لتوجيه أصابع الاتهام إلى جماعات مسلحة تتخذ من باكستان قاعدة لها، فيما نفت إسلام آباد أي صلة لها بالحادثة، واعتبرت التصعيد الهندي ذريعة للهروب من الأزمات الداخلية.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي سارع إلى تبني خطاب ناري، مؤكدًا أن "الرد سيكون قاسيًا ومباشرًا"، وأعطى التعليمات لقواته المسلحة بالرد بحرية مطلقة على أي تهديد عبر الحدود، لتبدأ القوات الهندية بالفعل تنفيذ عمليات عسكرية محدودة على طول خط السيطرة الفاصل في كشمير، وسط استعدادات عسكرية مكثفة على الجانبين.

الهند عمدت إلى اتخاذ عدة إجراءات تصعيدية شملت طرد دبلوماسيين باكستانيين، وإغلاق الحدود البرية، ومنع الرحلات الجوية الباكستانية من عبور مجالها الجوي، وتعليق الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالمياه المشتركة، كما شهدت المدن الهندية مظاهرات تطالب بالرد العسكري على ما وصفته بـ"الاعتداء السافر".

في المقابل، حذرت باكستان من أي تحرك عسكري قد تقوم به الهند، مؤكدة أن قواتها في أعلى درجات الجاهزية للرد على أي عدوان، ووصفت التحركات الهندية بأنها "مقامرة خطيرة"، مؤكدة أن لدى الجيش الباكستاني القدرة الكاملة على حماية سيادة البلاد وردع أي تهديد مهما كانت طبيعته.

القوات المسلحة الباكستانية بدأت أيضًا بنشر تعزيزات عسكرية على الحدود، ورفعت حالة التأهب القصوى في صفوفها، كما أعلنت عن إسقاط طائرتين مسيرتين هنديتين اخترقتا مجالها الجوي، فيما أفادت مصادر عسكرية بأن اشتباكات محدودة اندلعت في مناطق التماس بكشمير وأسفرت عن خسائر بشرية طفيفة.

على المستوى السياسي، استدعت الخارجية الباكستانية السفير الهندي وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة، كما دعت المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لمنع انهيار الأوضاع، وأعلنت عن تعليق العمل باتفاقية سيملا التاريخية التي كانت تشكل مرجعية في إدارة العلاقات الثنائية بين البلدين منذ السبعينات.

وفي محاولة لكسب تأييد دولي، خاطبت الهند قادة الدول الكبرى وطالبت بمواقف واضحة تدين الهجوم الذي استهدف المدنيين، كما دعت صندوق النقد الدولي إلى مراجعة برامج الإقراض المقدمة لباكستان، في رسالة سياسية تهدف للضغط الاقتصادي ضمن حملة تصعيد متعددة الجبهات.

الولايات المتحدة دعت الطرفين إلى ضبط النفس، مشيرة إلى أن اندلاع نزاع عسكري بين دولتين نوويتين في جنوب آسيا ستكون له عواقب وخيمة على الأمن العالمي، بينما أبدت الصين قلقها من تدهور الأوضاع، في حين شددت روسيا على ضرورة التزام الحوار وتجنب الخطوات الأحادية.

الشارع الباكستاني بدوره عبّر عن سخطه من الاتهامات الهندية، حيث خرجت مظاهرات في عدد من المدن الكبرى تندد بالتصعيد، بينما ارتفعت نبرة التحذيرات في وسائل الإعلام المحلية التي رأت في الخطوات الهندية محاولة لصرف الأنظار عن القضايا الداخلية، خاصة مع قرب الانتخابات في الهند وتصاعد التوترات السياسية والاقتصادية هناك.

أما في كشمير، فقد عاش المدنيون أيامًا عصيبة، مع تزايد وتيرة إطلاق النار عبر الحدود وفرض حظر تجول في عدد من المناطق، وسط مخاوف من اندلاع مواجهات شاملة تعيد إلى الأذهان سيناريوهات المواجهات الدامية في أعوام 1999 و2001، والتي كادت في أكثر من مناسبة أن تتحول إلى حروب شاملة لولا تدخلات دبلوماسية عاجلة.

الوضع الإنساني في الإقليم المتنازع عليه بات ينذر بكارثة، حيث توقفت الحياة بشكل شبه تام، وتم إجلاء السياح من الفنادق، وأغلقت المدارس، فيما شلت الحركة التجارية بالكامل، في ظل تكدس الجيش في المناطق الحضرية والريفية، وتكثيف نقاط التفتيش، وهو ما أدى إلى تزايد حالات الاعتقال والتضييق الأمني.

تاريخيًا، شكلت كشمير بؤرة نزاع مزمن منذ تقسيم الهند في عام 1947، حيث خاض البلدان ثلاث حروب رسمية، وكانت كشمير محور النزاع في معظمها، وظلت محاولات التسوية تراوح مكانها بسبب التناقضات الحادة في المواقف، فالهند تعتبر الإقليم جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، فيما تدعم باكستان حق تقرير المصير لشعب الإقليم.

المخاوف الكبرى حاليًا تتعلق بإمكانية انزلاق الوضع إلى مواجهة نووية، إذ يمتلك كلا البلدين ترسانة نووية ضخمة، ومع تزايد التصعيد والعمليات العسكرية قد يكون أي خطأ في الحسابات مكلفًا جدًا، وهو ما يثير قلقًا عالميًا من انزلاق الأوضاع إلى ما هو أبعد من نزاع إقليمي تقليدي.

رغم الدعوات الدولية للتهدئة، إلا أن الطرفين لا يزالان في حالة استنفار قصوى، ما يعكس عمق الأزمة وعدم وجود أرضية للحوار في الوقت الراهن، ويزيد من حدة التوتر أن القيادة السياسية في كلا البلدين تخوض صراعات داخلية قد تدفعها لتبني سياسات أكثر تشددًا لضمان الدعم الشعبي.

مراكز الأبحاث الدولية حذرت من أن استمرار التوتر دون تدخل عاجل قد يؤدي إلى اندلاع حرب رابعة ستكون مختلفة من حيث النوع والمدى، لأن أي مواجهة مستقبلية ستتضمن استخدام تقنيات متطورة، وربما تنطوي على تصعيد نووي أو حرب سيبرانية قد تؤثر على الملايين في المنطقة.

وعلى الرغم من كل التهديدات، لا تزال بعض الأطراف الإقليمية تأمل بإمكانية احتواء الأزمة، حيث أبدت دول الخليج استعدادها للوساطة، وأعلنت تركيا عن مبادرة دبلوماسية للتقريب بين الطرفين، فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة.

ختامًا، يبدو أن جنوب آسيا على موعد مع مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، وفي ظل انعدام الثقة وتراكم الخلافات التاريخية والعسكرية والدينية والسياسية، يصبح الأمل الوحيد في تفادي الكارثة هو تحرك دولي جاد قبل أن تتجاوز الأمور نقطة اللاعودة، لأن كلفة الصمت في هذه اللحظة الحرجة قد تكون باهظة على الجميع.