في خطوة تُوضح تصاعد التحديات المرتبطة بالاستخدام غير المشروع للطاقة والجرائم الرقمية، أعلنت النيابة العامة في دولة الكويت عن مباشرتها التحقيق في واحدة من أكبر القضايا المتعلقة بتعدين العملات الرقمية باستخدام الطاقة الكهربائية المخصصة للأغراض السكنية، بعد أن كشفت التحقيقات الأولية عن تورط 116 شخصاً في هذه الأنشطة، التي تمت داخل 59 مسكناً في مناطق مختلفة.
وبحسب ما جاء في بيان رسمي صادر عن النيابة العامة، فقد تلقت السلطات المختصة 31 بلاغاً تتعلق باستخدام غير مشروع للتيار الكهربائي، حيث استغل المتهمون الدعم الحكومي المخصص للطاقة السكنية من أجل تشغيل أجهزة التعدين بهدف تحقيق أرباح مالية سريعة، دون اعتبار للضرر الواسع الذي ألحقوه بالبنية التحتية للشبكة الكهربائية، ولا للتداعيات القانونية المترتبة على تلك الممارسات.
وشددت النيابة في بيانها على أن "الطاقة الكهربائية تُعد من الموارد الاستراتيجية للدولة، ويجب استخدامها فقط في الأغراض المخصصة لها، لما لذلك من تأثير مباشر على استقرار الخدمات العامة المرتبطة بحياة المواطنين اليومية"، وأشارت إلى أن المتورطين قاموا بتشغيل معدات تعدين ذات استهلاك كثيف للطاقة، ما أدى إلى تحميل الشبكة الكهربائية فوق طاقتها، وأثّر سلباً على توزيع الكهرباء في بعض المناطق السكنية.
ويأتي هذا التحرك في وقت تتنامى فيه ظاهرة "تعدين العملات الرقمية" في مناطق مختلفة من العالم، مستفيدة من الدعم الحكومي للكهرباء في بعض الدول، بما في ذلك الكويت، وفي حين يُعدّ تعدين العملات الرقمية مشروعًا في بعض الأطر القانونية، إلا أن استخدام الطاقة المدعومة المخصصة للأغراض السكنية في عمليات التعدين يُصنّف ضمن التجاوزات القانونية الصريحة التي تمس الصالح العام.
وأوضحت النيابة أنها قامت باستجواب المتهمين بعد توجيه اتهامات باستخدام موارد الدولة بطريقة غير مشروعة، مؤكدة أن التحقيقات مستمرة لتحديد حجم الضرر الفعلي الذي وقع على شبكة الكهرباء، فضلاً عن تحديد الجهات التي قد تكون زودت المتهمين بالمعدات أو ساعدت في تنفيذ هذه الأنشطة، وأضافت أن التعاون جارٍ مع وزارة الكهرباء والماء، والأجهزة الأمنية المختصة، من أجل تقصي الحقائق بشكل دقيق، ومحاسبة كل من يثبت تورطه.
وفي تعليقها على خطورة ما جرى، أوضحت النيابة أن هذه الممارسات "تشكّل تهديداً مباشراً لموارد الدولة الحيوية، وتستنزف طاقة مخصصة لدعم احتياجات المواطنين والمقيمين، ما يتطلب موقفًا حازمًا لمنع تكرار مثل هذه التجاوزات"، وأضافت أن الأجهزة الرقابية ستكثف من عمليات التفتيش والمراقبة لضبط أي محاولات مستقبلية لاستغلال التيار الكهربائي في غير موضعه، ولا سيما في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وما يفرضه ذلك من ضغوط على الاقتصاد الوطني.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن المتهمين قاموا بتحويل غرف داخل منازل سكنية إلى ورش مكتظة بأجهزة التعدين، مستغلين انخفاض تكلفة الكهرباء المخصصة للمساكن، دون إخطار الجهات الرسمية أو الحصول على أي تراخيص، وتبيّن من خلال التحقيقات الأولية أن بعض المتهمين تعمدوا إخفاء معداتهم خلف جدران مزيفة أو في أقبية مغلقة، لتفادي اكتشافها أثناء الحملات التفتيشية.
ولا تزال السلطات تحقق في ما إذا كان هناك شبكات أكبر تقف خلف هذه الأنشطة، أو علاقات تجارية تربط المتهمين بجهات خارجية تُزودهم بالمعدات والتقنيات اللازمة لتوسيع عملياتهم، في ظل ما تشير إليه التقارير من أن تعدين العملات الرقمية قد تحوّل إلى مصدر دخل غير مشروع يعتمد عليه البعض، مستغلين ثغرات في الرقابة أو الدعم الحكومي للطاقة.
ويُعدّ هذا الملف من أكثر القضايا تعقيدًا في الوقت الراهن، إذ يتداخل فيه الشق الجنائي مع الجوانب الاقتصادية والتقنية، وسط دعوات من خبراء بضرورة مراجعة القوانين المتعلقة باستخدام الطاقة في البلاد، والتفكير في تنظيم أنشطة تعدين العملات الرقمية ضمن أطر قانونية واضحة، خاصة في ظل التوسع العالمي لهذا القطاع.
والنيابة العامة أكدت في ختام بيانها أنها لن تتهاون في تطبيق العقوبات القانونية الرادعة، وأنها تعمل بالتنسيق مع مؤسسات الدولة المختلفة على حماية موارد الكويت، لا سيما تلك التي تُعدّ عصبًا رئيسيًا للحياة اليومية، كالكهرباء والماء، كما دعت المواطنين والمقيمين إلى الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه في محيطهم السكني، مؤكدة أن الحفاظ على الموارد الوطنية مسؤولية جماعية.
وتبقى هذه القضية مرشحة لمزيد من التطورات في الأيام المقبلة، لا سيما مع توسع التحقيقات، وكشف المزيد من التفاصيل حول طبيعة الشبكات المتورطة، وحجم الأرباح التي تم تحقيقها من هذه العمليات غير المشروعة، في واحدة من أبرز القضايا التي تجمع بين الجريمة الإلكترونية وسوء استخدام الموارد العامة.