إيران وأمريكا
كيف ساهمت عُمان في إعادة الحوار بين الحوثيين وأميركا؟
كتب بواسطة: رانية كريم |

أكدت سلطنة عُمان، نجاح الجهود الدبلوماسية التي بذلتها في إطار الوساطة بين الولايات المتحدة الأميركية وجماعة الحوثي، في خطوة اعتُبرت علامة فارقة في مسار الجهود الإقليمية والدولية لتخفيف التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وفتح قنوات حوار فعالة بين أطراف النزاع في اليمن، الإعلان العُماني جاء ليضع حدًا لفترة طويلة من الغموض الذي أحاط بتلك المحادثات السرية، والتي استضافتها مسقط في أجواء من السرية والتكتم، حفاظًا على فرص نجاح المباحثات.

مصدر رسمي في وزارة الخارجية العُمانية أوضح أن المحادثات تناولت قضايا إنسانية وأمنية واقتصادية، وأفضت إلى تفاهمات أولية من شأنها تهيئة الأرضية للانتقال إلى مفاوضات أكثر شمولًا مستقبلاً، وأضاف المصدر أن السلطنة لعبت دورًا محوريًا في تهيئة الأجواء، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف، وهو ما منحها ثقة كوسيط محايد يمكنه جمع وجهات النظر المتباينة على طاولة واحدة.

وقد جاءت الوساطة العُمانية في وقت بالغ الحساسية، مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر وتزايد الضغوط الدولية على الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سلمي شامل، وتمكنت مسقط، بخبرتها الواسعة في ملفات الوساطة الإقليمية، من بناء قناة تواصل غير مباشرة بين واشنطن والحوثيين، أتاحت تبادل الرسائل والاقتراحات بشكل منتظم ومثمر، هذه الخطوة تمثل تحولًا نوعيًا في كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع ملف الحوثيين، بعد سنوات من القطيعة واعتبار الجماعة طرفًا غير شرعي في كثير من المحافل الدولية.

الجدير بالذكر أن مسقط احتضنت خلال الأشهر الماضية عدة جولات من المشاورات غير المعلنة، شارك فيها ممثلون أميركيون ومسؤولون أمنيون، فضلًا عن وسطاء دوليين، فيما التزم الجانب الحوثي بإرسال وفود بصفة غير رسمية، بهدف استكشاف فرص التفاهم وتجنب المزيد من التصعيد، وأكدت مصادر مقربة من هذه اللقاءات أن التركيز كان على تأمين ممرات الملاحة الدولية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، إضافة إلى بحث سبل تخفيف العقوبات وتبادل الأسرى.

من جانبها، رحبت واشنطن بالدور العُماني، معتبرة أن جهود السلطنة كانت عاملاً حاسمًا في كسر الجمود الذي طغى على مسار العملية السياسية في اليمن، وعبّر مسؤولون أميركيون عن امتنانهم للدور الهادئ والبنّاء الذي لعبته مسقط، مشددين على أن هذه التفاهمات لا تمثل نهاية الطريق، لكنها تمهّد لمفاوضات أوسع قد تشمل أطرافًا إقليمية أخرى، من بينها السعودية والأمم المتحدة.

في المقابل، لم يصدر تعليق رسمي مباشر من جانب الحوثيين، إلا أن أوساطهم الإعلامية تداولت تقارير إيجابية عن دور عمان في "نقل المواقف بنزاهة"، وتحدثت عن وجود "أفق تفاهم" يمكن البناء عليه، وتُعد هذه الإشارات مؤشراً على رضا أولي، قد يتطور إلى انخراط أكبر في العملية التفاوضية إذا ما توافرت الضمانات الدولية المناسبة.

الخطوة العُمانية تنسجم مع نهج السلطنة التاريخي في تبني سياسة الحياد الإيجابي وعدم التدخل في شؤون الآخرين، لكنها في الوقت نفسه تؤكد على أن مسقط لا تتردد في التحرك عندما ترى ضرورة لحماية استقرار الإقليم، وتُضاف هذه الوساطة إلى سجل عُمان الطويل في تسهيل المحادثات الصعبة، سواء في الملف النووي الإيراني أو الأزمة الخليجية أو الحرب في اليمن.

وتُبرز هذه التطورات مدى حاجة المنطقة إلى قنوات حوار موثوقة وفعّالة، في ظل تزايد التوترات وتنامي التحديات الأمنية والاقتصادية، وبينما تتطلع القوى الكبرى إلى التهدئة، تبقى الوساطات الإقليمية، مثل المبادرة العُمانية، حجر الزاوية في بناء الثقة واستعادة لغة التفاهم بدلًا من لغة السلاح.