في مشهد إنساني مؤلم يعكس تداعيات النزاعات المسلحة وانعكاساتها المباشرة على المدنيين، أُجبر عشرات المسافرين اليمنيين على الانتظار في مطار الملكة علياء الدولي بالعاصمة الأردنية عمّان، بعد إلغاء رحلتهم المتجهة إلى صنعاء، وذلك إثر تعرض مطار صنعاء الدولي لقصف جوي عنيف، أسفر عن أضرار كبيرة في البنية التحتية للمطار، ما أدى إلى توقف حركة الطيران منه وإليه، وتداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا تُظهر العشرات من العائلات اليمنية، بينهم أطفال وكبار في السن، وهم جالسون في صالات الانتظار بالمطار الأردني، في حالة من الترقب والحيرة، بعدما أُبلغوا في اللحظات الأخيرة بإلغاء رحلتهم لأسباب أمنية طارئة، وسط غياب معلومات واضحة عن موعد استئناف الرحلات.
وبحسب ما أعلنت هيئة تنظيم الطيران المدني الأردني، فإن الخطوط الجوية اليمنية أوقفت رحلاتها القادمة من مطار صنعاء إلى عمّان ولمدة ثلاثة أيام، نتيجة القصف الذي استهدف منشآت حيوية في مطار العاصمة اليمنية، وعرقل بشكل تام قدرته التشغيلية، ما أدى إلى تجميد جميع الرحلات المجدولة في المدى القريب، وقال رئيس الهيئة، هيثم مستو، في تصريح إن إلغاء الرحلة جاء بعد إشعار رسمي تلقته السلطات الأردنية من الجانب اليمني، مفاده عدم قدرة مطار صنعاء على استقبال أو تسيير الرحلات الجوية بسبب الأضرار التي لحقت به، وأكد مستو أن الهيئة تتواصل مع الجهات المعنية لمتابعة تطورات الموقف، مع مراعاة الجانب الإنساني للركاب المتضررين.
وبينما لم تعلن السلطات الأردنية أو شركة الطيران اليمنية عن جدول زمني دقيق لاستئناف الرحلات، وجد الركاب اليمنيون أنفسهم عالقين في مطار عمّان دون خيارات بديلة، مع صعوبات في توفير الإقامة أو تذاكر سفر جديدة، في ظل ظروف معيشية محدودة، وقد عبّر عدد من المسافرين عن استيائهم من غياب التنسيق الفوري والمساعدة اللازمة، خصوصًا أن بعضهم كان ينوي العودة إلى اليمن لأسباب إنسانية عاجلة، من بينها حالات مرضية، أو لمّ شمل العائلات، أو ارتباطات مهنية واجتماعية.
وقال أحد العالقين في حديث مع وسائل إعلام محلية: "فوجئنا بإلغاء الرحلة قبل صعود الطائرة بدقائق، قيل لنا إن هناك قصفاً طال المطار في صنعاء، ولا نعرف حتى الآن إلى متى سنبقى هنا، بعضنا لا يملك المال الكافي للإقامة في الفنادق، والبعض الآخر يعاني من أمراض تحتاج إلى عناية خاصة"، ويُذكر أن مطار صنعاء الدولي، الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي منذ عام 2015، يعاني من قيود شديدة على الحركة الجوية بسبب الحرب المستمرة في اليمن، وقد اقتصرت الرحلات خلال السنوات الماضية على رحلات إنسانية أو تجارية محدودة، عبر تنسيق دولي، خاصة تلك المتجهة إلى العاصمة الأردنية عمّان.
وكانت الخطوط الجوية اليمنية قد استأنفت في وقت سابق بعض الرحلات المنتظمة بين صنعاء وعمّان، ما مثّل شريان حياة مهماً للآلاف من اليمنيين المقيمين خارج البلاد أو الراغبين في العودة إليها، في ظل الإغلاق الكامل لمعظم المطارات اليمنية الأخرى، وتعرض مطار صنعاء في مناسبات سابقة لهجمات أو تهديدات أمنية، لكن القصف الأخير يُعد من أعنف الضربات التي طالت البنية التشغيلية للمطار، بحسب مصادر محلية، مما يعقّد من فرص استئناف الرحلات في وقت قريب.
وقد أثار الحادث موجة من الغضب والقلق في أوساط الجالية اليمنية في الأردن، وكذلك لدى عدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، التي طالبت بسرعة التدخل لتأمين أوضاع العالقين، وتقديم مساعدات فورية تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة والراحة، إلى حين إيجاد حلول بديلة، ودعا ناشطون في بيانات متفرقة إلى تحييد المرافق المدنية، وخاصة المطارات، عن الصراعات العسكرية، مؤكدين أن استهداف مطار مدني يُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، ويُعرّض حياة المدنيين لمخاطر غير مبررة.
كما ناشد كثيرون المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، الضغط باتجاه فتح ممرات إنسانية آمنة وتوفير رحلات بديلة عبر مطارات مجاورة، مثل مطار عدن أو مطار سيئون، أو تنظيم رحلات استثنائية من الأردن بالتعاون مع منظمات إنسانية، ويأتي هذا التطور في وقت لا تزال فيه الأوضاع في اليمن تزداد تعقيدًا، سواء من الناحية الأمنية أو الإنسانية، وتواجه البلاد أزمة إنسانية تُعد من بين الأشد في العالم، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 70% من السكان بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة.
وتسبّبت الحرب، التي دخلت عامها العاشر، في تدمير البنية التحتية لعدد كبير من المرافق الحيوية، بما في ذلك المطارات والموانئ، ما جعل الوصول إلى البلاد أو الخروج منها مهمة شاقة محفوفة بالتأجيل والمخاطر والانتظار الطويل، وبين مطار معطل وآمال معلقة، يجد اليمنيون العالقون في مطار عمّان أنفسهم أمام واقع صعب لا تحكمه التوقعات، بقدر ما يفرضه واقع النزاعات وتعقيداتها، وفي ظل غياب رؤية واضحة لحل الأزمة، تبقى الأصوات الإنسانية هي الأكثر حاجة للإصغاء، في انتظار أن تُفتح أبواب الطائرات من جديد، ليس فقط لنقل الركاب، بل لنقل بصيص أمل بأنّ الرحلة القادمة قد تكون بداية لانفراج طال انتظاره.