بيدرو أغودو
تقرير أممي يحذر: كارثة إنسانية تهدد سكان غزة بسبب نقص المياه
كتب بواسطة: سوسن شرف |

في تصريحٍ صادم يحمل بين طياته مأساة إنسانية متفاقمة، كشف المقرر الأممي الخاص المعني بحقوق الإنسان بيدرو أغودو عن أن أكثر من 2.1 مليون شخص في قطاع غزة يواجهون أزمةً حادّة في الحصول على المياه، في وقتٍ تتوالى فيه الضربات على البنية التحتية للقطاع الذي بات يئنّ تحت وطأة الحرب والحصار، الرقم وحده كافٍ ليدق ناقوس الخطر، لكنه لا يروي كل الحكاية، فالمأساة أعظم من أن تُختصر في عدد، والمشهد اليوم في غزة يشبه صراعًا من أجل البقاء، لا أكثر.

المقرر الأممي وصف الوضع بعبارة موجعة حين قال إن "ما يحدث في غزة هو قنبلة صامتة لكنها مميتة" في إشارة إلى التدهور البطيء لكنه المستمر والقاتل، لقدرات الناس على الحصول على أساسيات الحياة، وبيّن أغودو أن ما يقارب 70% من بنية المياه في القطاع قد تعرّضت للتدمير جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما جعل السكان، أطفالًا وكبارًا، في مواجهة مباشرة مع العطش، أو في أفضل الأحوال مع مياه ملوثة تحمل في طياتها أمراضًا تهدد الحياة.

غزة التي لطالما عانت من حصار خانق تعيش اليوم على حافة كارثة مائية حقيقية، فالأغلبية العظمى من سكان القطاع يحصلون على المياه إما بكميات محدودة جداً لا تكفي للحد الأدنى من الحاجات اليومية، أو على مياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي، محملة بالملوثات التي قد تصيب الجهاز الهضمي، وتنتشر عبرها الأمراض الجلدية والمعوية، لتتحول كل قطرة ماء إلى تهديدٍ جديد.

بحسب أغودو فإن استخدام المياه كسلاح في الحرب بات جلياً، حيث إن إسرائيل تعمّدت استهداف البنية التحتية لأنظمة المياه، وحرمان السكان من الوقود اللازم لتشغيل محطات تنقية المياه والآبار، هذا التدمير المتعمّد أدى إلى انخفاض حصة الفرد اليومية من المياه إلى ما يقارب 5 لترات فقط، وهي كمية أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، ولا تكفي حتى للشرب، ناهيك عن الطهي أو النظافة.

لم يتوقف الأمر عند المياه فقط فالحصار المفروض منذ أكتوبر 2023 شمل الغذاء والكهرباء والوقود وسلعاً أساسية أخرى، مما أدّى إلى انهيار شبه كامل في نمط الحياة اليومية، وجعل من الحياة في غزة تجربة قاسية بكل المقاييس، الأطفال ينامون عطشى، والنساء يقفن في طوابير طويلة عند الصهاريج، فيما يُحرم كبار السن من أبسط مقومات الحياة الكريمة، في مشهد يُعيد البشرية قرونًا إلى الوراء.

المثير للقلق أن الأزمة المائية لم تعد مجرد جانب من جوانب المعاناة، بل تحولت إلى سلاح بحد ذاته، يُستخدم ضمن أدوات الحرب، وهذا ما أكده أغودو بوضوح حين شدد على أن المياه لم تعد مجرد عنصر حيوي، بل باتت ورقة ضغط تُستخدم لشلّ حياة الفلسطينيين، وإغراقهم في معاناة يومية متواصلة.

إن ما يجري في غزة يتجاوز إطار الحرب التقليدية ليدخل في باب العقوبات الجماعية وتدمير مقومات الحياة الأساسية، حيث تُحاصر الحياة نفسها، وتُمنع عن الناس ضروريات البقاء. المأساة التي وصفها المقرر الأممي لا تقف عند حدود الجغرافيا، بل تمثل جرحًا أخلاقيًا في ضمير العالم، الذي يقف في كثير من الأحيان متفرجًا أمام مأساة لم تعد تحتاج إلى تحليلات بقدر ما تحتاج إلى تدخل إنساني عاجل.

ما لم يتم تحرّك دولي فعّال وسريع فإن هذه الأزمة مرشحة لمزيد من التدهور، لتتحول غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش لا بسبب الصواريخ فقط بل بفعل العطش، فالماء الذي يُفترض أن يكون حقًا إنسانيًا غير قابل للتفاوض، بات في غزة امتيازًا لا يحصل عليه سوى القلّة، بينما البقية تنتظر "النجاة" من قارورة ماء لا تأتي.