في خطوة غير مسبوقة تحمل دلالات سياسية وأمنية معقدة، سلّمت حركة حماس خمسة من عناصرها إلى الجيش اللبناني على خلفية الاشتباه في مشاركتهم بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، هذه الخطوة التي تأتي في وقت بالغ الحساسية إقليمياً وداخلياً، أثارت تساؤلات عميقة حول مستقبل العلاقة بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، خصوصاً فيما يتعلق بملف السلاح داخل المخيمات.
رد الفعل السريع من حماس والذي تضمن التزاماً علنياً باحترام السيادة اللبنانية، لم يأتِ من فراغ، بل جاء عقب تحذير واضح من المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، وقد كُلِّف مجلس الوزراء بنقل رسالة حاسمة للحركة مفادها أن أي مغامرة عسكرية من داخل الأراضي اللبنانية لن تكون مقبولة، في المقابل أظهرت الحركة تجاوباً فوريًا ليس فقط من خلال التصريحات، بل عبر خطوات عملية على الأرض، أبرزها تسليم العناصر المتورطين.
تسلسل الأحداث يشير إلى تنسيق لافت بين مؤسسات الدولة اللبنانية، من الجيش إلى الأمن العام وشعبة المعلومات، وهو ما عكس موقفاً رسمياً موحداً إزاء واحد من أعقد الملفات الأمنية في البلاد، بحسب الخبير العسكري خليل الحلو فإن ما يحدث يعكس تحولات في توازن القوى الداخلية مشيراً إلى أن حزب الله، الذي كان سابقاً يوفر غطاءً لبعض الفصائل، لم يعد يحتفظ بالفاعلية ذاتها مما أتاح للدولة اللبنانية مساحة أوسع للتحرك.
رغم أن البعض يرى في هذه التطورات مؤشراً لبداية مرحلة تفكيك ترسانة الفصائل المسلحة، إلا أن الحذر ما زال سيد الموقف، فالمخيمات الفلسطينية، وخصوصاً عين الحلوة، لا تزال تضم مكونات مسلحة متعددة، تتبع مرجعيات سياسية وأمنية متداخلة ما يجعل من فكرة النزع الكامل للسلاح مهمة معقدة تتطلب وقتاً وتدرجاً.
مع ذلك يشير الحلو إلى أن الدولة بدأت تستعيد زمام المبادرة، وهو ما لم يكن متاحاً خلال السنوات الماضية، ويعتبر أن هذا التحول يحمل أبعاداً تتجاوز الأمن الداخلي ليطال الحسابات الإقليمية خاصة مع استخدام إسرائيل الدائم لإطلاق الصواريخ من الجنوب كذريعة للإبقاء على احتلالها لبعض النقاط الحدودية.
التعاطي اللبناني الأخير قد يُسهم في سحب هذه الذرائع وتقوية الموقف السياسي في المحافل الدولية، وبينما تراقب الفصائل الأخرى ما جرى يبقى السؤال ما إذا كانت هذه الحادثة ستتحول إلى نموذج قابل للتكرار، وفتح باب تسوية أشمل داخل المخيمات.
ما جرى يمثل اختباراً مزدوجاً لحماس والدولة اللبنانية معاً، للحركة فرصة لإعادة التموضع كقوة سياسية تحترم السيادة، وللدولة امتحان لفرض القانون خارج الإطار التقليدي، وفي ظل هذه المعادلة، تبدو الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان لبنان قد دخل فعلاً مرحلة جديدة، أم أن التوازنات ستعيد إنتاج نفسها كما في كل مرة.