في خطوة جديدة نحو تعزيز الشراكات الدولية وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي الاستراتيجي، وافق مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية على إعلان نوايا مشترك بين وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية ووزارة الاقتصاد والمالية والصناعة في جمهورية فرنسا، يهدف إلى تعميق التعاون في مجال المعادن الحرجة، لما لهذه الموارد من أهمية حيوية في دعم التحول الصناعي والتقني على المستويين المحلي والدولي.
وقد صدر القرار خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء التي عُقدت اليوم في العاصمة الرياض، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – حيث استعرض المجلس جملة من الموضوعات المدرجة على جدول أعماله، وتناول عدداً من المبادرات الوطنية والدولية ذات الأثر في دعم رؤية المملكة 2030.
ويأتي إعلان النوايا مع فرنسا في إطار الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز سلاسل الإمداد العالمية للمعادن ذات الأولوية، وفي مقدمتها المعادن الحرجة التي تُعد مكونات أساسية في الصناعات المستقبلية، مثل السيارات الكهربائية، والطاقة المتجددة، والتقنيات الرقمية، والطيران، والاتصالات، وغيرها من القطاعات الحيوية.
ويستند هذا التعاون إلى علاقات ثنائية متينة بين المملكة وفرنسا، حيث يُتوقع أن يسهم الاتفاق في تبادل الخبرات الفنية والعلمية، وتحفيز الاستثمارات المشتركة، وتطوير مشاريع استخراج وتصنيع المعادن النادرة ضمن أطر تضمن الاستدامة البيئية، وكفاءة سلسلة التوريد، وتحقيق القيمة المضافة محليًا.
ومن شأن هذه الشراكة أن تعزز مكانة المملكة كمركز عالمي موثوق في إنتاج وتصدير المعادن الحرجة، بما يواكب طموحات الاستراتيجية الوطنية للتعدين، التي تستهدف رفع مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير فرص عمل نوعية للمواطنين، وتنمية المجتمعات المحلية، وتحقيق تنويع اقتصادي فعّال ومستدام.
ويُعد إعلان النوايا خطوة تأسيسية نحو وضع خارطة طريق للتعاون بين الجانبين في عدد من المحاور، تشمل: تطوير آليات استكشاف جديدة تعتمد على أحدث التقنيات الجيولوجية والتحليلية، تبادل البيانات والخبرات المتعلقة بإدارة الموارد المعدنية، دعم مبادرات البحث العلمي والتطوير والابتكار في مجال المعادن النادرة، دراسة جدوى إنشاء سلاسل إمداد مرنة ومتكاملة تمتد من الاستخراج إلى التصنيع، تعزيز الاستثمارات المشتركة في المشاريع التعدينية ذات الأثر الاستراتيجي، التعاون في مجالات التدريب وتأهيل الكفاءات البشرية المتخصصة.
ويُنظر إلى فرنسا باعتبارها واحدة من الشركاء العالميين البارزين في مجالات التكنولوجيا والصناعة والمعادن، وتملك خبرات عريقة في استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية، بينما تمتلك المملكة العربية السعودية موارد معدنية هائلة تقدر بتريليونات الدولارات، وفقاً للمسوحات الجيولوجية الحديثة، ما يجعل من هذا التعاون فرصة استراتيجية لتكامل الإمكانات وتعزيز الأمن المعدني الدولي.
وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود أوسع تقودها المملكة لتوطيد علاقتها مع القوى الاقتصادية العالمية، وترسيخ دورها في الاقتصاد العالمي الجديد الذي يتجه نحو الطاقة النظيفة والصناعات الخضراء، وتلبية الطلب المتزايد على المعادن المستخدمة في تقنيات المستقبل.
كما تؤكد الموافقة الحكومية على هذا الإعلان التزام المملكة بتبني السياسات والمبادرات التي من شأنها تطوير بيئة استثمارية جاذبة، وتعزيز القدرة التنافسية لقطاع التعدين، عبر حزمة من التشريعات، والحوافز، والشراكات التي تُرسخ مكانة المملكة كوجهة عالمية رائدة في الصناعات المعدنية.
وفي هذا السياق، أشار عدد من المختصين إلى أن الاتفاق مع الجانب الفرنسي يعكس توجه المملكة نحو بناء تحالفات نوعية تخدم أمنها الصناعي والاقتصادي، وتُعزز دورها الريادي في أسواق المعادن، وتدعم انتقالها إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والتقنية.
الجدير بالذكر أن المملكة كانت قد أطلقت في وقت سابق "مبادرة مستقبل المعادن"، الهادفة إلى إنشاء مركز عالمي يُعنى بالحوار وتبادل الخبرات والتقنيات في قطاع التعدين، وقد حظيت المبادرة بتفاعل دولي واسع، شمل حكومات وشركات عالمية رائدة، ما يؤكد تنامي الدور السعودي في قيادة التغيير ضمن هذا القطاع الحيوي عالميًا.
ويُتوقع أن يسهم هذا التعاون مع فرنسا في توسيع دائرة الشراكات الدولية للمملكة، وفتح آفاق جديدة للاستثمار في قطاع التعدين، بما يواكب مستهدفات الرؤية الوطنية، ويحقق تطلعات القيادة الرشيدة نحو مستقبل اقتصادي واعد.