أطلق الدكتور عادل طاش، مدير المركز الوطني للقلب في المجلس الصحي السعودي، جرس إنذار صحي خطير، كاشفًا عن أرقام مقلقة تتعلق بواقع أمراض القلب في المملكة، وتحديدًا تلك المرتبطة بصمامات القلب، وبيّن خلال مداخلة عبر قناة «الإخبارية» أن عدد المصابين بهذه الأمراض يبلغ حوالي 180 ألف حالة بين مواطنين ومقيمين، وهو رقم وصفه بـ"الصادم"، ويكشف عن حجم التحديات التي يواجهها النظام الصحي في مواجهة هذا النوع من الأمراض القلبية المزمنة.
أوضح الدكتور طاش أن المشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع أعداد المصابين، بل في طبيعة تشخيصهم في المراحل الأولى، حيث إن الغالبية تم تشخيصهم بصورة خاطئة أو غير دقيقة، ما أدى إلى تأخير بدء العلاج المناسب وتفاقم الحالة مع مرور الوقت، هذا الواقع يضع النظام الصحي أمام ضرورة مراجعة منهجيات التشخيص ورفع كفاءة الكوادر الطبية لمواجهة هذا النوع من الأمراض.
وأشار إلى أن الأمراض القلبية، وتحديدًا أمراض الصمامات، تتسم في بداياتها بأعراض غير واضحة أو غير مميزة، وهو ما يجعل من التشخيص المبكر تحديًا حقيقيًا، خاصة إذا لم تُواكب الحالة بالتقنيات الطبية المتقدمة والإجراءات الوقائية الفعّالة.
أحد أبرز العوامل المؤدية إلى أمراض صمامات القلب، بحسب الدكتور طاش، هو الحمى الروماتيزمية، هذه الحمى، إذا لم تُكتشف وتُعالج مبكرًا باستخدام المضادات الحيوية المناسبة، فإنها قد تؤدي إلى مرض مزمن يُعرف بـ"روماتيزم صمامات القلب"، وهو أحد أشد أنواع أمراض القلب تعقيدًا من حيث العلاج والتعامل الطبي.
ولفت إلى أن الحمى الروماتيزمية غالبًا ما تُصيب الأطفال في المراحل الدراسية الأولى، وتبدأ على شكل مضاعفات ناتجة عن التهاب اللوزتين أو الحلق الناتج عن البكتيريا العقدية، والتي إذا لم يتم علاجها بالشكل المناسب، فإن الجسم يبدأ بمهاجمة أنسجته بنفسه، ويؤثر ذلك تدريجيًا على صمامات القلب، مسبّبًا لها تلفًا دائمًا في بعض الحالات.
وشدد الدكتور طاش على أن هذا النوع من الأمراض يُمكن الوقاية منه إلى حد كبير إذا تم التشخيص في الوقت المناسب، وأكد أن التأخر في اكتشاف المرض لا يُضعف فقط من فرص العلاج الفعّال، بل يجعل التدخل العلاجي أكثر تعقيدًا، وقد يتطلب الأمر في بعض الأحيان إجراء عمليات قلب مفتوح لتغيير الصمامات التالفة أو استخدام أجهزة مساعدة.
ودعا إلى ضرورة تطوير برامج وقائية شاملة تستهدف الفئات العمرية الصغيرة، والطلاب في المدارس تحديدًا، حيث تبدأ المشكلة من هناك، كما أكد أن التوعية الصحية داخل المجتمع عامل جوهري في تقليل أعداد الحالات الجديدة، سواء من خلال الوسائل الإعلامية، أو عبر المدارس والمراكز المجتمعية.
في ظل المعاناة التي يواجهها المصابون، شدد الدكتور طاش على أن الأمر يتطلب تعزيز إمكانيات القطاع الصحي عبر برامج الفحص المبكر، وتطوير بروتوكولات التشخيص، لا سيما في المناطق الطرفية والريفية التي قد تفتقر إلى المعدات الطبية الحديثة أو الكفاءات المؤهلة، كما أشار إلى أهمية تدريب الكوادر الصحية على التعامل مع الحالات المشتبه بها بشكل احترافي، وتجنب الاعتماد الكامل على الفحوصات السريرية دون إجراء تحاليل دقيقة أو صور أشعة متقدمة مثل الإيكو القلبي.
ونوّه إلى أن علاج أمراض صمامات القلب يجب ألا يكون محصورًا في وصفة دوائية فقط، بل ينبغي أن يكون جزءًا من نهج علاجي متكامل يشمل متابعة دورية، تغييرات في نمط الحياة، استخدام تقنيات طبية متقدمة، وأحيانًا تدخل جراحي في حال وصول المرض إلى مراحل متأخرة.
كما أشار إلى وجود الكثير من الحالات التي تكون قابلة للعلاج والسيطرة إذا ما تم اكتشافها مبكرًا، داعيًا المرضى إلى عدم تجاهل الأعراض المبدئية مثل ضيق التنفس، آلام الصدر، أو الخمول المتكرر.
واختتم الدكتور طاش حديثه بتوجيه دعوة صريحة إلى الجهات الصحية في المملكة لتبني حملات توعوية دائمة ومستمرة، تُسلط الضوء على هذه الأمراض، وطرق الوقاية منها، وأهمية التشخيص المبكر، مؤكدًا أن البداية الصحيحة تبدأ من نشر الوعي الصحي داخل المجتمع، وهو ما يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تقليل نسب الإصابة وتحسين جودة الحياة لدى المرضى.